(الشافعي) السفيه هو الإنسان الناقص العقل، الذي يتجرأ على الآخرين بالسب والشتم ويتهجم بلا سبب ويطلق الكلام القبيح بسهولة فهو إنسان غير ناضج ولا مسؤول.. وهو يختلف عن (السخيف) فالأخير لا يعتدي بساقط القول، ولكنه يتحدث بكلام لا فائدة منه ولا لون له ولا طعم، فضد السخيف هو الرصين، وضد السفيه هو العاقل الحكيم، السفيه قليل العقل فاقد للحكمة، والسخيف فارغ من الداخل تافه الاهتمام والكلام والعمل، قال العلامة ابن حزم في تعريف السُّخف: "وحَدُّ السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا، ولا حميد خُلُق، مما ليس معصية ولا طاعة ولا عوناً لهما، ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية، ولكنه من هَذْر القول وفضول العمل، فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين يستحق المرء اسم السخف!" قلت: ولا فخر! وقد ورد كلام ابن حزم في كتابه الصغير حجماً المفيد علماً "مداواة النفوس ص 49) قلت: السخيف لا يضر ولا ينفع ولكنه سمج، أما السفيه فهو يضر مخالطيه بطول لسانه وسوء كلامه وقبح جوابه، وغالباً ما يكون السفيه صغيراً في السن لم يتلق تربية حسنة ولم تنضجه الليالي والأيام ولم يعرف أقدار الرجال وأصول الاجتماع، ومع ذلك فقد توجد السفاهة في بعض كبار السن فتكون كارثة.. قال الشاعر: "وإنَّ سفاه الشيخ لا حلم بعَدهُ وإن الفتى بعد السفاهة يحلُمُ" والحلم هنا بمعنى العقل.. والعاقل يترفع عن مجاراة السيف أو حتى مجاوبته، ويعلم أن السفهاء يتجرأون على كل أمر خطير عن نقص في العقل، حتى إن السفيه قد يتجرأ على الله خالقه ورازقه، والعياذ بالله، قال سبحانه وتعالى: (وإنَّه كان يقولُ سفيهنا على الله شططاً) سورة الجن الآية 4. * * * ومن مأثور الشعر في معاملة السفهاء قول الشاعر: "سكتُّ عن السفيه فَظَنَّ أنِّي عييتُ عن الجواب وما عييتُ فإنْ كلَّمتُهُ فرَّجتُ عنهُ وإن خليتُه كمداً يموتُ!" وهذا صحيح فإن السفيه كالنار وقوده الرد عليه فيزداد سفاهة واندفاعاً، أما الصمت عنه ترفعاً فيقتله.. والمثل العربي يقول: "سفيهٌ لم يجدْ مسافهاً" فالذي يتجاوب مع السفيه في فاحش القول يصبح مثله تقريباً ويعطيه الفرصة الذهبية لاستعراض قاموس سافهته أما الذي يسكت عنه ترفعاً فإنه يخرسه ويلقمه حجراً.. ويقول أبو الأسود الدؤلي: "وإذا جريتَ مع السفيه كما جرى فكلاكما في جريه مذمومُ وإذا عتبتَ على السفيه ولُمْتَهُ في مثل ما يأتي فأنتَ ظلومُ وللإمام الشافعي: "متاركةُ السفيه بلا جواب أشدُّ على السفيه منَ الجواب!" والسفيه يلتقي مع اللئيم في الشر وإن كان الأخير قلما يعقل مع الزمن، قال المؤمل المحاربي: "وكم من لئيم وَدّ أنِّي شَتَمْتُهُ وإن كان شتمي فيه صابٌ وعَلْقَمُ وَلَلكَفُّ عن شَتْم اللئيم تكرُّماً أَضَرُّ لهُ من شَتْمه حين يُشْتَمُ" والسفيه يهاجم ويسب بلا سبب: "يسطو بلا سبب وتل لك طبيعةُ الكلب العقور"! * * * ويقول المتنبي: "ومكائد السفهاء واقعةٌ بهم وعداوةُ الشعراء بئسَ المُقْتَنى" وله أيضاً وفيه دلالة على خطورة السفهاء: "وجُرْم جَرَّهُ سفهاءُ قوم فَحَلَّ بغير جارمه العقابُ" فإن السفيه قد يجر على أهله وقومه ومجالسيه المصائب وقد يثير العداوات والحروب والفتن، قال حميدان الشويعر: "هون الامور مباديها قدح ولهيب تاليها الفتنة نايمة دايم مار الاشرار توِّعيها يشب الفتنة مقرود ويَعْلقها من لا يطفيها فإلى علقت ثم اشتبتْ بالحرب انحاش مشاريها لحقتْ برجال وأجواد دوم تنصى قهاويها ادفع الشر دامك تقدر حتى تنصر بتاليها وانظر رب ينظر فوقك يميت النفس ويحييها واردعْ نفسك عن العَيْله ما ذور الزودا تهويها" فالسفيه هو هذا (المقرود) الذي يثير الفتنة ثم يهرب، وحميدان ينهى عن (العيلة) وهي التعدي على الناس وبدئهم بالشر، وذلك عين ما يفعله السفهاء! ومن أمثالنا الشعبية "مجنون وطقّ بعصا" وهو ينطبق على السفيه حين يثار أو يتم التجاوب مع سفاهته! ويقولون "واحد يخرب على عشرة" وهذا ينطبق على كثيرين منهم السفيه والأحمق.. وكذلك المثل الشعبي (الزود يفجّر البندق) فهو كناية عن عدة أمور منها انفجار السفيه لأن فيه زوداً (أي يحس أنه أفضل من غيره فيبدأ بالاعتداء (العيلة) على رأي حميدان الشويعر) وقولهم "اللسان طويل والحيل قاصر" ينطبق أيضاً على السفيه الذي لا يعرف قدر نفسه ولا قدر غيره فيطلق لسانه كيفما اتفق! ويقولون عن السفيه المسن: "طبع خارب من رجَّال شايب"!