يواصل الدفاع المدني عبر "الرياض" حملته التوعوية كل يوم سبت واثنين وننشر اليوم وتحت عنوان (حادث وعبرة).. حيث يروي أحد مسؤولي الدفاع حكاية الحادث بعد تلقي بلاغ عن حادث حريق. قال المبلغ: يحتمل أن يكون في البيت أشخاص. (هبينا) مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ من بداخل المنزل، وإخماد ذلك الحريق. بيت تحول إلى صندوق مليء بالدخان الكثيف يخرج من كل جهة. تم اقتحام المنزل، بدأت فرقة الإطفاء بإخماد الحريق الذي انتشر في درج الصالة، والصالة الأرضية.. الهم الأكبر هم الأشخاص منذ تلقي البلاغ. الحمد لله ها هي فرقة الإنقاذ استطاعت بصعوبة أن تعبر ذلك الدرج المشتعل وتصل إلى الدور العلوي وبمسح سريع لجميع غرف الدور العلوي.. لا أحد فيه، مسح سريع للدرج المؤدي للسطح.. يا للهول منظر عجيب لم ير من قبل، باب حديدي ينفذ للسطح ولكنه محكم الإغلاق وقد التصقت به امرأة لم تتجاوز الخمسين من العمر وفي حضنها وبين يديها خمسة أطفال، بدأ من النظرة الأولى أنهم فارقوا الحياة جميعاً. كل ثانية تمر تساهم في إبعادهم عن الدنيا.. المكان مليء بالدخان، وقفت أنظر إلى هذا البيت. بدأ شريط الأفكار يمر أمام عيني، المرأة وأولادها الخمسة.. لم تظن هي ولا هم أن هذا اليوم سيكون آخر يوم يجتمعون فيه، وآخر يوم تسمع فيه تلك الأصوات العذبة البريئة التي طالما غردت في ذلك البيت الآمن وجاء اليوم الموعود، الذي التصقت فيه أجساد الأطفال الخمسة بجسد أمهم التصاقاً لم يفرق إلا بصعوبة، وكأنها علمت أنه التفريق الذي ليس بعده في الدنيا اجتماع. عيناي لم تسعفاني ولم أعد أفكر بشيء واحد.. أفكر في تلك الدقائق التي تتابعت فيها أنفس الأطفال بالخروج واحدة تلو الأخرى أمام أمهم.. وهي تموت مع كل واحد منهم ألف مرة لا تملك لنفسها ولا لهم شيئا.. باب حديدي مقفل أمامها، وسحب كثيفة ومتتابعة من الدخان السام يقضي على فلذات كبدها، ونار ملتهبة يوشك لهبها أن يصل إليها.. قطع هذا الشريط المفزع صوت زميلي عبدالله مثل ما توقعنا.. الأم وأبناؤها الخمسة فارقوا الحياة قبل وصولنا إلى موقع الحادث. إنا لله وإنا إليه راجعون.. لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بمقدار. سارت الأمور كالمعتاد.. إكمال عمليات الإطفاء، سحب الدخان من البيت، تهوية للموقع. وفي هذه الأثناء يتي خبر من المستشفى يفجر ما تحجر من دموع.. بعد الكشف على جثة الأم وأطفالها الخمسة لم يستغرب في مثل هذه الحالات إلا أن أظافر الزم قد انخلعت من مكانها.. أمر لا يكاد يصدق، هل يكون ذلك من الصدمات المتتابعة للأم حيث مات أبناؤها الخمسة أمامها؟ أم ماذا عساه أن يكون؟؟ تم البحث في موقع الحادث وعند معاينة الباب الحديدي تبينت الحقيقة المرة.. وساد صمت طويل، لقد وجدت تلك الأظافر بين الجدار والباب الحديدي!! (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) لم تزل تلك الحادثة محفورة في الأذهان، وسيل هائل من الأسئلة تتوارد علينا. من المعاتب في مثل هذه المآسي؟ من المسؤول؟ أهي تلك النفس الهازلة التي يعيشها كثير منا، والتي لا تعرف للجد طريقا أم هو ذلك الإهمال الذي لا يتبين حجمه إلا عند مشاهدة مآسي الحريق!! هل يحتاج الدفاع المدني أن يدخل إلى كل باب حديدي ويجعله مهيأ للطوارئ!! همسة في كل إذن واعية.. ما أجمل أن تتكامل الجهود وأن تتضافر في تحقيق سلامة الإنسان وما أسوأ أن يتخلى كل منا عن مسؤوليته ويلقي باللوم على الآخرين. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع ومسؤول عن رعيته والمرأة..". بعد أن استشعرنا هذا الحادث دعونا نستعرض دراسة دولية لإدارة الحريق في الولاياتالمتحدةالأمريكية تشير إلى سرعة تطور الحوادث ونتائجها المتوقعة على الأرواح والممتلكات حيث تتم رؤية اللهب من خارج المنزل خلال 4.33 دقائق فقط ويصبح إنقاذ الأشخاص الموجودين أمراً في غاية الصعوبة.. وهذا ما نحب إيضاحه في أهمية سرعة الإخلاء للحفاظ على الأرواح وكذلك مدى انتشار النار والأدخنة خلال وقت وجيز جداً ويتضح ذلك بالجدول المنشور -: المقال القادم (حمام الموت).. وللتواصل [email protected]