إن من أهم ما ينبغي ذكره من أحداث في الآونة الأخيرة ليس الأزمة الاقتصادية العالمية القاسية فالجميع لديه علم بذلك ولكن الأهم من ذلك هو صمود المملكة أمام تلك الأزمة ، ولم يكن ليحدث ذلك لولا توفيق الله سبحانه لهذا البلد ومن ثم السياسات المتحفظة من قبل مؤسسة النقد العربي السعودي والرقابة الصارمة على القطاع المصرفي ، فالمملكة لديها احتياطي يتجاوز التريليون ونصف التريليون ريال كفيلة بأن تسير الاقتصاد لسنوات دونما النظر للتقلبات الاقتصادية ومن بينها أسعار النفط. المتابع الدقيق للاقتصاديات العالمية يدرك تماما أن الاقتصاد السعودي متين بالرغم من انخفاض الناتج المحلي لهذا العام عن سابقه بسبب أسعار النفط ، ولكن المهم أن المواطن السعودي في هذا العام في وضع أفضل من السنوات السابقة بالرغم من العاصفة التي تجتاح غالبية دول العالم وهذا بدوره ينعكس على الاقتصاد الكلي ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر هناك زيادة في معدل الأجور في القطاع العام و زيادة في مخصصات الضمان الاجتماعي وهناك أيضا زيادة لصندوق التنمية العقاري ، بالإضافة إلى التراجع المستمر في معدل التضخم الذي انخفض إلى 6% في مارس الماضي مسجلاً أدنى مستوى له خلال 17 شهراً. إن عزم الدولة ممثلة في خادم الحرمين وفقه الله على إنفاق 400 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة رسالة قوية وواضحة على أن المملكة تشهد تغيرات كبيرة وجوهرية في شتى المجالات ، فهناك مشاريع البنية التحتية وإنشاء المطارات والإنفاق التعليمي الضخم ومشاريع القطارات والمدن الاقتصادية والمنشآت الرياضية وغيرها ستغير ملامح المملكة خلال العشر سنوات القادمة وسيكون هذا التغير أكبر من أي تغير سابق وهذا بالمناسبة يتوافق مع ركود اقتصادي عالمي ، ولكن عندما يغلق باب واحد هناك أبواب عديدة تفتح والمملكة فُتحت لها أبواب عدة خلال هذه الأزمة. الأزمات تخلق الفرص والثروات ، وكما أن هناك متضررين كثر فبالتأكيد هناك مستفيدون ولكن قلة والمملكة تشهد نموا سكانيا غير مسبوق وانفتاحا للاستثمار الأجنبي وإصلاحات اقتصادية واسعة وتغييرا في خطط التنمية ستجعل من المملكة وبتوفيق من الله إحدى دول العالم المهمة خلال الخمسة عشر سنة القادمة وستشهد المملكة تغيرات ايجابية كثيرة ، فالتوجه لجعل كل مناطق المملكة مكتملة بالخدمات بشتى أنواعها وعدم الاعتماد على المدن الرئيسية فقط يساهم في خلق الفرص ونقص البطالة وتوفير الثروات وتنوع الاستثمارات ويجعل من المملكة المترامية الأطراف دولة بل قارة متكاملة. لا شك بأن دعوة السعودية لحضور القمة الاقتصادية للدول العشرين هو اعتراف رسمي دولي بمكانة المملكة وأهميتها في خارطة العالم وفي صنع القرار وسينعكس ذلك على المملكة خلال العقدين القادمين. قد يعتقد البعض أننا نبالغ أو نجامل ولكن هناك دلالات وتغيرات عالمية تؤكد صحة ما نقول وأن الخطط الاستراتيجية التي تنفذ ستؤتي أكُلها بإذن الله خلال العشر سنوات القادمة ، فهناك توجه خلال الخمس سنوات القادمة تعليمياً لاستيعاب جميع خريجي الثانوية العامة في الجامعات السعودية وهناك المدن الاقتصادية التي ستخلق الآلاف من الفرص الوظيفية وتجتذب الاستثمارات الخارجية وهناك العديد من المؤشرات الايجابية. مع جميع ما ذكر سابقا من دلالات ايجابية فيجب ألا نغفل عن بعض القصور الموجود في النظام الصحي والذي بلا شك لا زال أقل من المأمول وخاصة بالنسبة للمواطن البسيط ، فبالرغم من الخطوة الجبارة في قطاع التعليم إلا أن القطاع الصحي لم يشهد خطوة مماثلة ، وهناك قضية الإسكان والتي تثقل كاهل المواطن فالإحصائيات تشير إلى أنه فقط 20% من السعوديين لديهم مسكن مملوك والغالبية تتكبد معاناة الإيجار، وإيجاد الطرق التي تكفل للمواطن البسيط تملك سكن خلال العشرين سنة القادمة يجب أن يكون من أولوياتنا لأن المأوى والمأكل بالإضافة للأمن من أهم ركائز الحياة. بقي أن نشير إلى أن قوة المملكة تنبع من الالتزام بضوابط الشريعة وتمسكها بها ، فهي القوة التي لن تزحزحها أي قوى خارجية وهي السلاح القوي لمواجهة أعداء هذا الوطن الغالي ، ويجب عدم الربط بين تفوق وتطور المملكة وبين ما يروج له البعض من تغيرات في بعض مبادئ الشريعة ، والله الموفق. * الرئيس التنفيذي لشركة رأيك العقارية