قبل ثلاثة أعوام كتب الأديب المصري أنيس منصور عن حال العرب مقالة تحت عنوان "العرب ظاهرة صوتية.. وسوطية"، محوِّرا في عنوان الكتاب الشهير للمفكر السعودي عبدالله القصيمي "العرب ظاهرة صوتية"، ولا أدري كيف استحضرت ذاكرتي تلك المقالة وأنا أتابع الحالة النصراوية الإعلامية التي-بالفعل- باتت ظاهرة أولا، وصوتية ثانيا، وسوطية ثالثا!. أما كونها ظاهرة فلأن المتابع للواقع الرياضي بكافة أنواعه يلحظ سيطرة نصراوية على المشهد الإعلامي فيه، حتى لتظن معه بأن الساحة قد أفرغت من الأندية المنافسة حتى لم يعد فيها إلا النصر، أو سيخال لك بأن النادي الأصفر قد استحوذ على البطولات وقبض على زمام الانجازات حتى لم يبق من ينافسه عليها، وإن لم يحدث معك هذا أو ذاك، فإنك –حتما- ستتصور لوهلة بأن الرياضة السعودية لم يعد فيها من القضايا إلا قضية النصر ولا غيره. وكونها صوتية، فلأن كل تلك الظنون والخيالات والتصورات التي يمكن أن تنتابك على إثر الظاهرة النصراوية ستدرك بعدها أن لا وجود لها على أرض الواقع، فليس النصر وحده في الساحة، ولا هو بالنادي المنجز، كما وأنه ليس القضية التي تستحق أن ينشغل بها الرأي العام الرياضي في المملكة إلى الحد الذي صرنا فيه لا نكاد نشاهد برنامجا رياضيا في هذه القناة أو تلك إلا ويطالعنا وجها أو صوتا نصراويا بمناسبة أو "بدون"!. أما كونها "سوطية" فلأن الحضور الإعلامي النصراوي لا يأتي بهدف المثاقفة مع الآخر غير النصراوي، ولا لأجل تحقيق مبدأ الرأي والرأي المعاكس، وإنما يعلو هذا الصوت بهدف قمع الآخر بتكميم صوته وخنق رأيه، باستخدام أسواط المصادرة والترهيب والإقصاء، ولذلك نجد أن الحضور الإعلامي الأصفر غالبا ما يفسد للود ألف قضية وقضية. والأبرز من كل تلك الصفات الثلاث السابقة للخطاب النصراوي الإعلامي، أنه خطاب مكرر ممل، ومن يعود لأدبيات النصراويين منذ السبعينيات وحتى اليوم يجدها صورة مستنسخة، فهي تحمل المفردات ذاتها، والعبارات عينها، بل أيضا القضايا نفسها، رغم تغير الشخوص وتبدل الأحداث، حتى لتعتقد بأن قطار الزمن قد توقف بالنصراويين وإن عجلاته لم تعد قادرة على الحراك. في ظني أن النصراويين يخطئون إنهم اعتقدوا أن سياسة "خذوهم بالصوت" ستجلب لهم حقوقهم التي يروجون أنها منتزعة أو مغتصبة، ويجانبهم الصواب إنهم ظنوا أنهم سيكسبون تعاطف الرأي العام حينما يركبون موجة " إن لم تكن معي فأنت ضدي"، وإني إذ أناصحهم فإني أدعوهم لإعادة صياغة خطابهم الإعلامي المتشنج، باستبداله بخطاب متزن يدفع باتجاه قبول الآخر لا معاداته، والعمل على رسم إستراتيجية إعلامية جديدة بعيدة عن لغة البيانات الصفراء التي أساءت للكيان النصراوي الكبير، ولن يكون ذلك إلا بقرار يبدأ بإبعاد "الحرس الإعلامي القديم" الذين لم يقدموا للنصر إلا اجترار الإخفاقات عبر لغتهم الخشبية وسيوفهم المهترئة.