إن الوصف الجليل الذي وصفت به هذه الأمة في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) يقتضي العدل والرحمة والخيرية في كافة الأمور هدي مفعم بالرحمة والاعتدال والوسطية في الأقوال والأفعال والاعتقاد. إن هذا الهدي بات واضحاً في مسيرة هذه الأمة ومنهجها ولا شك أن الأمة تعرضت في أزمان وحقب متعددة إلى بعض نكاية ممن خالفها في عقيدتها ومسيرتها لكن سرعان ما اضمحلت هذه الأفكار لأنها لا تمت للعلم بصلة فهي نشاز في الفكر والتعامل. وهذه البلد المباركة ومن منطلق ثقتنا بديننا وعقيدتنا وولاة أمرنا حفظهم الله ستبقى مأرزاً للإسلام عامرة بالخير والرحمة والرخاء قائمة برسالتها العالمية في الدعوة إلى الله ونشر عقيدة التوحيد وإسداء الخير والمودة والتراحم لشعوب العالم قاطبة. ومن الضوابط المهمة في مسألة التكفير أن المسلم لا يكفر بقول ولا فعل إلا بعد أن تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة ولا يكفر إلا من اجمع الإسلام على تكفيره أو قام على تكفيره دليلٌ لا معارض له. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا نكفر إلا ما ما أجمع عليه العلماء كلهم) إن المجازفة بالتكفير شرٌ عظيم ولا يسارع فيه من عنده أدنى مسة من ورع وديانة أو شذرة من علم أو ذرة من رزانة. يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: (هنا تسكب العبرات على الإسلام بما جناه التعقيب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا لسنة ولا لقرآن ولا لبيان من الله ولا برهان) والفكر التكفيري لا يعرف وطناً ولا جنساً ولا مذهباً ولا مكاناً ولا زماناً. وإن المشاعر كلها تلتقي على رفضه واستنكاره والبرأة منه ومن أصحابه فهو علامة شذوذ ودليل انفراد وانعزالية. وبلاد الحرمين حينما تقف مع العالم كله في الشجب والإدانة والاستنكار لمحاربة الأفكار الشاذة والعنف بكل أشكاله إنما تشارك في ضبط المسار وترشيد الوجهة والبعد عن صراع الحضارات. وإن المتعين على العلماء والموجهين والمربين أن يقفوا صفاً واحداً في مواجهة هذا الفكر التكفيري كي لا يتسرب إلى عقول أبناء هذه البلاد المباركة شيء من تلك الأفكار والتأويلات الفاسدة. * الباحث الشرعي بوزارة العدل