بدأت وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة تركز على ما يتعرّض له عدد من الفتيات السعوديات من استغلال يقوم به بعض الرجال. والنغمة السائدة هي لوم الرجال على هذا التصرّف وتحميلهم المسؤولية كاملة بما في ذلك العقوبات التي يمكن أن تنالهم بسبب ما جلبوه من ضرر مادي أو معنوي أفسد حياة تلك الفتيات. والواقع أن استغلال الرجال للنساء يمكن أن نراه من جانبين: أحدهما ما يقوم به رجل معروف نحو امرأة تربطه بها علاقة كأن تكون أمّه أو أخته أو زوجته أو ابنته أو قريبته. والجانب الآخر مايقوم به رجل نحو امرأة لا يرتبط معها بعلاقة مشروعة. والواقع، أن علاقة الرجل بالمرأة هي التي تحدد طبيعة الاستغلال ودرجته ومدى تأثيره على المرأة. ولا ينكر أحد أن التاريخ القديم والحديث حافل بأمثلة كثيرة عن الحيل التي تقع بين الرجل والمرأة من أجل استغلال أحد الطرفين للآخر، ففي كتاب "أمثال العرب" للمفضل الضبّي مثلا، هناك عدد كبير من القصص التي تركز على ما تقوم به المرأة من مكائد وحيل للإيقاع بالرجل لكي يتزوجها، أو لكي يصدّقها رغم أنها تكذب، أو لكي تسلب ماله، أو لكي تغطّي على خيانتها له، أو غير ذلك من المواقف التي تبرز فيها المرأة على أنها العنصر الأقوى في العلاقة من خلال ما تتسم به من دهاء ومكر. ولا شك أن ثمة مواقف أخرى تصبح المرأة فيها ضحية لاستغلال الرجل ومكره، لكن قصص الأمثال لا تعطي هذا الموضوع أهمية لأسباب ثقافية، ليس هذا مكان مناقشتها الآن. ولكن حياتنا الواقعية مليئة بنماذج لرجال قهروا نساءهم قهرًا وابتزوهن وربما دمروا حياتهن، فهناك من عضل ابنته من الزواج، وهناك من تاجر بها في زواج فاشل أو غير متكافئ، وهناك من استخدمها مشروعًا استثماريًا يدر عليه المال من خلال راتبها أو مهرها؛ وهناك من أساء إلى زوجته وسامها سوء العذاب وأوقعها في مشكلات عائلية أو ورّطها في ضمانات مالية. والأمر يطول للحديث عن أشكال استغلال الرجال لضعف المرأة في مجتمعنا. وهو استغلال متكرر ومتنوع، بعضه يصل إلى المحاكم والكثير منه لايصل، وتبقى المرأة المنكوبة ضحية صامته داخل الكيان الأسري وربما تموت ببطء في ظل سيطرة الرجل وجبروته. أما النوع الآخر من استغلال المرأة الذي ظهر مؤخرًا بعد انتشار الإنترنت والجوال، فيمكن حصره في الاستغلال العاطفي، حيث يسعى كل من الرجل والمرأة إلى إقامة علاقة عاطفية بينهما من خلال غرف الشات أو المنتديات في الإنترنت أو من خلال الجوال. وإذا نجح الرجل في إغراء المرأة بنفسه فإن نجاحه في الأصل مربوط بتقديم لغة عاطفية تعتمد على تلبية حاجات تلك المرأة الخيالية لكي يظهر في نظرها على أنه صورة للرجل الرومانسي المثالي الذي طالما حلمت به. وحينما تقع المرأة في فخ الإغواء اللغوي/ العاطفي، فمن المتوقع أن تتطور هذه العلاقة من كونها مجرد أحاديث غرامية إلى لقاءات بينهما. وكلما نجح الرجل في كسب المرأة نحوه زادت فرص الابتزاز الجسدي أو المادي. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في مثل هذه الحالات هو: هل كانت المرأة تجهل أنها ربما تقع ضحية لاستغلال هذا الرجل، ولهذا نعتبرها ضحية؟ أم أنها كانت شريكة للرجل في العلاقة ولكنها لأسباب معينة صارت هي الطرف الخاسر؟، وماذا لو لم تخسر المرأة أو لم تنكشف علاقتها، فهل نبقى نصفها بأنها هي الضحية؟ أعتقد أن وصف المرأة في هذا النوع من العلاقة بأنها ضحية ابتزاز الرجل هو وصف غير دقيق لأنه يضع المرأة موضع الطفل الذي لايفهم من الحياة شيئًا ويقع فريسة للاستغلال بسهولة. ولهذا فإن الواقع يحتّم علينا أن نضع المواقف في ظروفها الخاصة ونقرأها من خلال سياقها وأحداثها الموضوعية، لأننا نجد في حالات كثيرة - من هذه العلاقات غير المنطقية - أن المرأة هي التي تبادر بمهاتفة الرجل أو ملاحقته فترمي عليه شباكها حتى إذا علق بها ثم جاء على غير ما تريد أعلنت أنها ضحية.