في وقت ينادي فيه الكثير من أبناء المجتمع، بتوفير فرص وظيفية للمرأة، لتقليص نسبة البطالة التي بلغت في هذه الفئة 28 % بعدد يتعدى 200 ألف عاطلة، سارعت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمس، بالتأكيد على أن خروج المرأة للعمل، ومشاركتها للرجل في بعض الأماكن وراء ارتفاع حالات الابتزاز في المجتمع السعودي، لتصل إلى معدل يفوق 315 %، واصفة الأمر بالظاهرة. لكن على النقيض من ذلك، سارعت وزارة الشؤون الاجتماعية على لسان وزيرها بالتأكيد على أنها ليست ظاهرة «ولا تعدو كونها حالات فردية»، مشددا على أنها مشكلة جديدة «ارتبطت بالشبكات العنكبوتية والفضاء المفتوح وتسمى الجريمة الإلكترونية». إلا أن الوزير وضع خط دفاع بالإشارة إلى أنه «ليس لدينا في وزارة الشؤون الاجتماعية إحصاءات معينة ولسنا في مجتمع ملائكي». من واقع الأرقام التي أوردتها الندوة، اتضح أن للبطالة دورا كبيرا في الابتزاز، رغم تفاوت النسبة بين كل دراسة. وفيما أظهرت دراسة قدمتها مؤسسة آسيا للاستشارات والتدريب، أن العطالة والوظيفة المتدنية يشكلان 63.3 % من خصائص من وقعوا في قضايا الابتزاز، فيما يتربع الفراغ وضعف العلاقات الأسرية على قمة الأسباب المؤدية للابتزاز بواقع 47 %. هي نفس النتائج التي توصلت إليها دراسة علمية ميدانية أخرى أجريت في مدينة الرياض، وأشارت إلى أن العطالة تشكل العامل المشترك بنسبة 83.7 % ممن وقعوا ضحايا للابتزاز، ويأتي الواقع الجامعي الأعلى في محيط الحالة التعليمية بنسبة 43.9 %، وجاءت حالة أعزب الأبرز في إطار دراسة الحالة الاجتماعية بنسبة 60.9 %. عمل المرأة ورغم أنه لا المكان ولا الزمان ارتبطا، أمس، بمحور عمل المرأة، أو البحث في طريقة لمعالجة بطالتها، إلا أن الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبدالعزيز بن حمين الحمين، بادر خلال عرض ورقة تتعلق بالابتزاز بالتركيز على عمل المرأة، وما فيه من سلبيات وانعكاسات على واقع جريمة الابتزاز بشكل خاص. لكن الحمين، لم يشأ الدخول في مهاترات جانبية، تجعل المدافعين عن عمل المرأة يدخلون معه في جدلية ربما لا تنتهي، حيث إنه سارع بالاستدلال بما اعتبره قرينة لهذه السلبيات، وذلك خلال عرضه لتاريخ ظاهرة الابتزاز في المملكة «تشير إحصاءات وزارة الداخلية إلى أن قضايا الابتزاز ارتفعت من 1031 قضية عام 2000، إلى ثلاثة أضعاف في عام واحد، لتصل عام 2001 إلى 3253 قضية»، مشيرا إلى أن الجريمة تبدأ عن طريق المعاكسات والتحرشات، ومن ثم ربط العلاقات المحرمة بين الشباب والفتيات عن طريق وسائل التقنية المختلفة، ويعقبها بعد ذلك، جرائم الابتزاز «فحينما ترفض الفتاة هذه العلاقة، وتريد قطعها يبدأ التهديد بالفضائح المختلفة، أو كشف أمرها، وهنا يأتي دور جهاز الحسبة لحماية الضحايا من هذه الجريمة». لماذا الابتزاز؟ لم تكن المرأة محورا هامشيا، أمس، في الندوة التي دارت خصيصا عن الابتزاز، بل كانت الطرف الأول في القضية، الأمر الذي دفع العديد من المشاركين إلى تقديم العديد من الأبحاث وأوراق العمل، لتملأ جنبات مقر الندوة في المركز الوطني لأبحاث الشباب بجامعة الملك سعود. ولعل ما برز في الندوة الاتفاق على أن مرحلة الشباب في المرحلة العمرية من 15 29 عاما، مرحلة كثيرة المتغيرات، ويصل عددها إلى 5.5 ملايين نسمة، أي بنسبة 30 % من إجمالي عدد سكان المملكة. ولعل الورقة البارزة كانت من نصيب الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي قدمها الشيخ الحمين، حيث اشتملت على محاور شاملة بدءا من تعريف الابتزاز إلى الفرق بينه وبين الرشوة، إلى أركانه إلى تاريخه في العالم وفي المملكة، حيث أشار إلى أنه «ظاهرة» رصدت قبل أكثر من عشرة أعوام. الابتزاز محليا كما تطرق إلى واقع الابتزاز، متطرقا إلى 150 مليون فتاة و73 مليون صبي ضحايا التحرش الجنسي، كاشفا عن 18808 قضايا ابتزاز في المملكة في العام الماضي 1431ه، وفق إحصاء من قبل الإدارة العامة لقضايا في الرئاسة «رصدت في مختلف المدن، وتتنوع بين ابتزاز أخلاقي ومادي وأخرى»، مشيرا إلى أن تقارير رسمية تحدثت عن ضبط 1012 متهما في 832 حادثة تحرش ومعاكسة النساء عام 1424ه، كما تم رصد 286 حالة في منطقة القصيم خلال عامين في الفترة من 1426 – 1428ه، كما تم ضبط 65 حالة ابتزاز في مكةالمكرمة ابتزاز من شباب لفتيات بصورهن خلال عام 1429ه، كما رصدت الهيئة 12 حالة في محافظة ينبع و 30 حالة في بريدة. وكشفت دراسة الحمين أن «عدم قدرة الشباب على الزواج يدفعهم إلى تحقيق شهواتهم بطرق ملتوية ومنحرفة، فقد بينت دراسة على مرتكبي الجريمة أن 60.3 % كانوا من العزاب». التباهي بالعمالة وأشار إلى سلبيات العمالة الوافدة وتسببها في انتشار الجريمة «وتشير بعض الإحصاءات إلى أن نسبة 21.8 % ترجع السبب في استقدام العمالة للتباهي والفخر، 20 % للشعور بالغنى، و39.4 % بسبب عوائق للأم عن القيام بواجباتها ومنه خروجها للعمل، وتثبت الوقائع التي ضبطتها الهيئة حيث تم ضبط بعض العاملات في المشاغل النسائية وقاعات الأفراح يصورن النساء ثم يبعن هذه الصور على العمالة لترويجها على الشباب، كما ضبطت الهيئة بعض محال صيانة الجوال وهي تأخذ الصور من جوالات الفتيات، أو تستعيد البيانات المحذوفة للصور ثم الحصول على رقم الفتاة ومساومتها، كما تم ضبط بعض العمالة التي توصل الأطعمة للبيوت أو السيارات بتهديد الفتيات بطريقة أو بأخرى». وحدد الحمين ما اعتبره بيئات للابتزاز «منها الأماكن المغلقة للنساء كمشاغل الخياطة وصالونات التجميل النسائية، التي تتساهل بعض النساء فيها فتنزع ثيابها لقياس ثوب جديد أو تتكشف لطلب بعض حاجات التجميل كإزالة الشعر وغيره، ويتم تصوير الضحية وهي غافلة ثم يتم بعدها تهديدها وابتزازها، بالإضافة إلى المقاهي والصالات المغلقة والنقل المدرسي والنقل الخاص كسيارات الأجرة، حيث يتساهل بعض النساء والفتيات بالركوب في سيارة الأجرة منفردة دون محرم أو مرافق وغالبا ما يشجع ذلك السائق على الحديث مع الفتاة، ثم تتطور العلاقة إلى أن تصل إلى الابتزاز، كما تكون ضحايا الابتزاز في الأعمال والمهن مراجعة لدائرة حكومية، ممرضة، مراجعة في مستشفى، مريضة، موظفة، مسافرة، ولية أمر طالب، طالبة وظيفة، معلمة، طالبة، ولعل السبب في ذلك يرجع لكونها بيئات تشجع الابتزاز». ليست ظاهرة من جانب آخر نفى وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين أن يكون الابتزاز ظاهرة في المملكة، وإنما مشكلة وحالات فردية، وشدد على أنه «ليس لدينا في وزارة الشؤون الاجتماعية إحصاءات معينة ولسنا في مجتمع ملائكي». وقال العثيمين إن ابتزاز الفتيات من المشكلات الجديدة ارتبطت بالشبكات العنكبوتية والفضاء المفتوح وتسمى الجريمة الإلكترونية. وطالب العثيمين بدراسة ممولة من كراسي البحث بجامعة الملك سعود والوزارة وكذلك تبني حملة وطنية توعوية من جميع الجهات المعنية بمشكلة الابتزاز «والوزارة على أتم الاستعداد للمساهمة المادية والمعنوية». قاعدة معلومات وكشف الأمين العام المساعد للمركز الوطني لأبحاث الشباب بجامعة الملك سعود الدكتور نزار الصالح، أن المركز لديه قاعدة معلومات للشباب يستطيع الوصول إلى أعداد كبيرة منهم «يعتبر عالم الإنترنت من أوسع العوالم الافتراضية، حيث يتم استغلال المبتدئين بسرقة بياناتهم ومحتويات أجهزتهم الحاسوبية بطرق غير شرعية، الأمر الذي يستغل ضد هؤلاء الفتيات من خلال مساومتهن على أعراضهن، ولعل من أهم أسباب الابتزاز لدى الفتيات الفراغ والحرمان العاطفي والرغبة في علاقة ربما تنتهي بالزواج، أما لدى الذكور فالسبب الدافع الجنسي، والرغبة في إثبات الذات وتقليد الأصحاب، والفراغ، والبطالة، وتوفر وسائل الاتصال الحديثة، وضعف العقوبات القضائية، وعدم الزواج المبكر، وكثرة المثيرات الجنسية من خلال وسائل الإعلام المختلفة». محركات الابتزاز وحددت الأستاذة بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الدكتورة نوال العيد أسباب محركات الابتزاز عند الفتاة، التي تشمل المال، الوظيفة، الزوج، الصورة «فالفتاة تنظر إلى تأمين مستقبلها المعيشي لأنه يحوطه الكثير من المخاطر، ولعل من أسباب ابتزاز الفتيات التقنيات الحديثة كتنزيل الفتاة لصورتها على الفيس بوك بصورة غير مؤدبة فتستغل هذه الصورة، وسبق أن فتحت صفحة للتواصل الاجتماعي مع طالباتي على الفيس بوك، وقلت لهن تعاملن معي كصديقات، وفوجئت بوضعهن صورهن الشخصية، التي تتغير بتغير المواسم؛ ما يعد بداية لإمكانية أن تستغل هذه الصور، ثم تقع إحداهن ضحية للابتزاز». وأشارت إلى أنها وزعت استبانة على الطالبات ووجدت أن أكثر من 82 % منهن لا تستخدم التقنيات الحديثة استخداما جيدا «لا يوجد تصور واضح عن المسؤول عن قضايا الابتزاز في المجتمع، ولن أجد نسبا حقيقية للابتزاز في مجتمعنا السعودي، والسبب أن هناك شيئا من السرية في عدم فضح الفتيات اللاتي يقعن في الابتزاز، ولكن نريد أرقاما حتى نقيم هذه المشكلة فضعف سبل الوقاية أسهم في انتشارها، وبعض الفتيات لديهن حب الفضول والمغامرة ولكن في هذه الأمور ستكون هي الضحية لها، وأعجب من كلمة «خليني أجرب»، لكن التجربة في مثل هذه الأمور تحرق الفتاة وتحرق أهل بيتها». وأشارت إلى أن المبتز هو الذي يرسم مستقبل الفتاة كما يشاء «أحد النماذج كان أحد المبتزين فيه الخال، حيث ابتز بنت أخته، وتجاوزت سن الزواج لأنه كان يهددها بصور معينة التقطها لها، فالفتاة ضحية لمن يرسم لها الطريق»