كنا عرباً عاربة، ثم مستعربة، ثم مُعرّبة، ثُم، ثم، ولم نصل بعد إلى القاع. ثم دخلنا عصر المصطلحات الحديثة بين عالم عربي وأمة عربية ووطن عربي ومجتمع عربي وجامعة عربية و.. و.. معاهدة دفاع عربي مشترك.. من يحصى؟ ثم خرجنا من الجاهلية إلى ما بعد الحداثة، دون أن ندري ودخلنا في العقل العربي، الذات العربية، النفسية العربية، الفكر العربي... من يحصى؟ اثنان وعشرون بلداً في أحسن الأحوال، بحدود مغلقة أو متنازع عليها. وفي داخل كل بلد مليون بلد على الأقل. «كان عدد القوائم في الانتخابات العراقية الأخيرة أكثر من عدد المواطنين». وكل بلد يعتقد أنه دولة وليس من دولة في أي دولة، ومن يبحث عن معنى الدولة الحديثة يحاكم بتهمة الخيانة. وفي كل «مواطن» مع التحفظ على التسمية زعيم لا مثيل له. ومن يصل إلى السلطة لا يبارحها أبداً. وبعد أن يمضي الزعيم أربعين عاماً في السلطة يعد «شعبه» بإصلاحات جذرية. والرعايا تصفق لأنها تشبه الزعيم تماماً، وكل رعية في إمكانه أن يفعل ما يفعله القائد. في هذه المجتمعات مع التحفظ على التسمية أيضاً - لم يتم الفصل بين الأفراد بعد. كل رعية يشترك مع رعية أخرى في المنظر والملبس والتفكير والحياة والموت. ومن المهد إلى اللحد. وننتقل من إعادة إعمار إلى أخرى. من إعادة إعمار الكويت إلى إعادة إعمار العراق. ومن إعادة إعمار لبنان إلى إعادة إعمار غزة. نتحدث عن إعادة إعمار كما لو كنا بنينا شيئاً. العالم كله في حالة بناء إلا هذا الركام الذي يعيد إعمار ما لم يتم بناؤه. والعالم كل العالم يشارك في إعادة الإعمار هذه. حتى الهندوراس التي أرسلت قوات حفظ سلام إلى بقعة ما من هذا الركام. وها نحن أمام قوتين اقليميتين - ما كنا نتوقعهما تتصارعان على إعادة إعمار هذا التاريخ من الأوهام. تركيا السنية من جهة، وإيران الشيعية من جهة أخرى. تتصارعان على إعادة إعمار العرب السنّة والعرب الشيعة أو عرب الاعتدال وعرب الممانعة. أما نحن فقد تعوّدنا على إعادة الإعمار. يروي أحمد قريع أبوعلاء - هل فعلاً اسمه أبوعلاء - أعني كنيته أو لقبه. نسيت، والله نسيت - ولا أحب أن أبحث. يروي أنه التقى بشارون أكثر من عشر مرات وعندما يحدثه عن مبادرة السلام العربية يرد عليه شارون - الذي مازال في غيبوبة : إنها مجرد ورقة. من منّا يا شارون في غيبوبة «غيبوبة عن غيبوبة تفرق».