يقول كرستوفر روس المبعوث الأميركي إلى سوريا، خلال عقد التسعينات، إن الرئيس الأسد “لم يكن ليعتذر” عما حصل، بل إن الرئيس الأسد كان يرى ان ما قام به كان ضروريًا، وان ما سفك من الدماء، كان ثمنا عادلا من أجل انهاء إرهاب الإخوان المسلمين. هذا الحديث ليس عن أوضاع سوريا اليوم، أو عن الأسد الصغير والسفاح الجديد لسوريا، بل هو حديث الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عن مجزرة حماه، التي ذهب ضحيتها أكثر من عشرة آلاف قتيل! واليوم تجاوز عدد القتلى على يد الأسد الابن، عشرة آلاف قتيل في بعض التصريحات التي نقلت، وأربعين ألف مفقود! منذ عام 1963، وحزب البعث يسيطر على مقاليد الحكم من خلال شعارات توحيد طاقات الجماهير لمواجهة الاستعمار، ومنذ ذلك الحين وهذا الشعار يقوم بالفتك بالجماهير العربية، من خلال العمل على تقسيم الدول العربية، والعمل لصالح طوائف وإثنيات اقليمية تطمع في نفوذ في العالم العربي (والأجندة الإيرانية) تحديدا هي اللاعب الأكبر خلال السنوات العشر الماضية. حرص النظام السوري طيلة الأربعة عقود الماضية، على العمل على وتر العدو الصديق، من خلال إعلان عداوته للإسرائيليين، والحفاظ على أمنهم في الخفاء! كما أن حرص النظام البعثي على أمن اسرائيل، لم يكن يقل عن حرصه على تفتيت أي مشروع نهضوي عربي، من خلال ابتداع مصطلح الموالاة والممانعة، اللتين يريد بهما تقسيم العرب الى فسطاطين، كما فعل زعيم تنظيم القاعدة قبل ذلك: فسطاط إيمان وفسطاط كفر! أو كما قال بشار الأسد: عرب عاربة وعرب مستعربة. في فبراير (شباط) 2004، هدد الرئيس السوري نظيره الرئيس اللبناني، الذي كان يقود بلاده الى سيادة حقيقية، بعيدة عن الإدارة السورية، التي حولت لبنان الى مقاطعة إيرانية، هدده بالتصفية. وبالفعل في 2005، تمت تصفية رفيق الحريري، وتبعه عدد من النواب والصحافيين المعارضين للسياسة السورية، لتدخل لبنان في منعطف مظلم، لا تزال تبعاته الى اليوم تنعكس على الوضع الاقليمي! مغامرات النظام السوري ليست في لبنان، من خلال لغز اغتيال بشير الجميل ورفيق الحريري، وانما في شق الصف العربي، اذ لم تقف عند هذا الحد، بل تجاوزته الى القضية الأهم بالنسبة للعرب وهي فلسطين. ففي 2007، حين قامت سوريا بالضغط على قادة حماس، ودفعهم الى الانفصال بقطاع غزة، وتكوين دويلة خاصة بهم، وهو الأمر الذي أضر بالقضية الفلسطينية بشكل كبير على حساب مصلحة نظام الأسد، الذي يريد ان تستمر القضية الفلسطينية، هي القضية التي يلعب عليها منذ 1967، كما كان لحزب البعث دور في تسليم الجولان وهزيمة الجيوش العربية. النظام السوري نظام طفيلي لا يعيش إلا على قضايا الآخرين، ومن غير القضايا الخارجية التي يتاجر بها أمام شعبه، يكون أول الخاسرين والمفلسين، لذلك كان متشبثا باللعب على القضايا الاقليمية وبشعارات، من دون تقديم حلول، سواء في لبنان أو فلسطين. وهذا يعني أن سقوط بشار الأسد ونظامه، ليس بالأمر السهل نتيجة تعقيدات الموقف السوري المرتبط بقضايا المنطقة، واذا كانت أنظمة مشابهة سقطت بتكلفة غالية، مثل نظامي صدام حسين والقذافي، فإن تكلفة النظام السوري ستكون اغلى ثمنا، لا من حيث الخسائر ولا من حيث الأدوات التي يمكن أن يلجأ اليها، اذ لا يزال نظام البعث السوري، قادرا على اقناع حلفائه بالوقوف معه، على الرغم من الفظاعات التي يرتكبها، وهذا يبين ان المشهد السوري ليس كغيره. ففي الوقت الذي فشلت فيه أنظمة كبيرة وشمولية، مثل مصر وليبيا في اقناع حلفائها، ينجح البعثيون في اللعب على حساسية المنطقة واهميتها، وهذا مؤشر خطير، يقودنا الى أن هذا النظام يمكن ان يرتكب ويفعل ما لم يفعله غيره من اجل البقاء، ومن يتابع الترسانة الإعلامية التي يملكها ويديرها بشكل احترافي الى الآن، يدرك دهاءه ولا يستبعد أي شيء يمكن ان ينتجه مستقبلا، لذا نجد أن دول الخليج تعرف حزب البعث السوري جيدا، وان التعامل السريع والمفاجئ، هو الكفيل بإرباكه وايقافه عن مجازره الوحشية، التي يهدد بتوسيع نطاقها، ما أمكنه ذلك، وهو يعي ما يقول. يبقى ان الخطوة الأولى التي يمكن أن توقف هذا القتل والمجازر، هي حماية الشعب السوري من آلة القتل المدمرة، التي ينتهجها نظام الأسد قبل أي شيء، والإيقاف الحقيقي والفوري وليس الوعود التي تفنن النظام في الالتفاف عليها، وكسب الوقت منها.