يحق للحاج النيجيري (أدو شيخ ميبرغز) ان يفخر ويعتز بأن يكون أحد أكثر الحجاج حجاً في العالم الإسلامي، حيث أدى الفريضة ل (44) مرة، وذلك بدءاً من عام (1961م) وحتى موسم حج العام (1425ه) بل ان أبناءه وأحفاده، بل وحتى سكان نيجيريا يفخرون ويعتزون بهذا الحاج، والذي واكب تطور الحج عبر السنوات المتتالية، وليكون شاهداً للماضي التليد، والحاضر المجيد، والمستقبل الزاهر. ويقول الحاج (ادو شيخ) خلال هذه الرحلة والحقبة الزمنية الطويلة والتي قاربت نصف قرن من الزمن في عدد أدائه لفريضة الحج. أشعر بمزيد من الفخر والاعتزاز لأنني أديت الحج بهذا العدد، بل ومما أفخر وأعتز به هو أنه ولله الحمد أتمتع بصحة جيدة، واسأل المولى عز وجل بأن يطيل في عمري لأتمكن من أداء فريضة الحج للمرة (50) ويحدث الحاج النيجيري عن نفسه قائلاً: أنا من أبناء نيجيريا - وعمري الآن (67) سنة - وأعمل في مجال التجارة، ويسترجع الحاج شريط ذكرياته قائلاً: بأن أول مرة قدمت فيها للحج كان ذلك في عام (1961م) وكنت آنذاك في ريعان شبابي وفي عنفوان قوتي وصحتي، ولم يتجاوز عمري (23) سنة، وكنت في قمة السعادة، وأنا أحضر مع حجاج نيجيريا لأداء فريضة الحج. وكان عددهم آنذاك (7000) حاج نيجيري فقط، وكانت مشاعرنا الفرح والغبطة والسعادة، ونحن نقدم للأراضي المقدسة لأداء هذه الفريضة العظيمة. ويشير الحاج (أدو شيخ) وخلال موسم حج هذا العام بلغ عدد حجاج نيجيريا، (66) ألف حاج نيجيري، ويعد هذا رقماً قياسياً، وهذا أول التطورات من عدد صغير لحجاج نيجيريا ليصل اليوم إلى هذا العدد الكبير، كما يسترجع الذكريات، وبعد لحظة صمت وتأمل ليعود بذاكرته لأكثر من أربعة عقود مضت، وعيناه تغرورقان بالدمع يقول: صدقني لو قلت لك بأنني وكافة الحجاج عندما نقدم للأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، فإننا نشعر بمكانة الديار المقدسة ودعني أحدثك عن حج عام (1961م) عندما قدمت لأول مرة، وعن انطباعي ومشاهدتي عنه اليوم ليسجل (يراعك) الاختلاف الكبير وليكون القراء هم (شهود الله في الأرض) على هذا الفارق الكبير، ودعني ان أشبه الحج قبل نصف قرن من الآن عما هو عليه اليوم والتطور الكبير الذي حصل كالفرق بين السماء والأرض لا شك بأنك فهمت ما أقصده هو الحج في الماضي وعما هو عليه اليوم من تقدم وتطور ورقي فعندما قدمنا للمملكة قبل (44) عاماً وجدت المملكة صغيرة وبسيطة في سائر أمور الحياة، بدءاً بالإنارة الضعيفة التي كانت في المسجد الحرام وفي بعض البيوت القليلة جداً حول الحرم المكي الشريف.. وكنا نرى (الفوانيس) تنتشر في أحياء مكة ويقوم العمال بعد صلاة العصر بإعدادها وتجهيزها وتعليقها في الأعمدة استعداداً لاشعالها مع قرب صلاة المغرب، أما اليوم وأنت في المملكة ترى الإنارة الساطعة وتشعر وأنت في المساء كأنك في (عز النهار).. وتصور معي لقد كانت رحلة الحج متعبة لنا في تلك الفترة، لأن السيارات كانت قليلة جداً وخاصة الحافلات التي تقل الحجاج خلال فترة الحج للمشاعر كانت قليلة، وكنا نسير على الأقدام، وكان الحجاج يشعرون بمعاناة شديدة نتيجة السير على الأقدام من مكةالمكرمة، إلى عرفات ومنها إلي مزدلفة ومنها إلى منى ومن ثم العودة إلى مكة (للطواف والسعي) أما اليوم فإن الحجاج يصعدون في حافلات مكيفة وعبر الطرق المعبدة وخلال بضع دقائق تجدهم وصلوا للمشاعر المقدسة دون عناء يذكر. (الله على حلاوة المياه العذبة) هذه الأيام هنا في المملكة، وحيث كنا في تلك الفترة لا نجد غير المياه المالحة - بالإضافة لماء زمزم المبارك - وكنا نأخذ صفيحة المياه المالحة بقرش (ويا حلاوة القرش في تلك الأيام) حيث كان يعني لنا الكثير، وحيث كان يفرح عند مشاهدته للقرش، وأذكر أننا كنا نقضي خلال فترة قدومنا للحج (40) يوماً في مكةالمكرمة وخلال هذه الفترة لا نستحم أكثر من (خمس مرات) أما الآن الخدمات تطورت والمياه توفرت، ويمكننا ان نستحم في اليوم الواحد أكثر من مرتين أو ثلاث مرات، كما أننا ننعم بالاستحمام في (منى).. ومن مشاهداتي أيضاً عن الحج: بأن العلم تطور في المملكة حيث انتشرت الجامعات والكليات والمعاهد بمختلف تخصصاتها، وقبل نصف قرن لم نكن نرى سوى بضع مدارس ومعاهد وحتى مبانيها كانت صغيرة وبسيطة أما اليوم وبفضل رائد العلم والتعليم في المملكة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين - حفظهم الله - فقد أزدهر العلم والتعليم في المملكة، وأصبح الآن من أبناء المملكة (دكاترة - وأطباء - ومهندسون - وطيارون) بارعون في تخصصاتهم ونحن في العالم الإسلامي نفخر بهم. في تلك الفترة كان هنا في المملكة العديد من الأشخاص الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، بل ولا يعرفون حتى كتابة أسمائهم. ومما نفخر به نحن النيجيريين أيضاً هو تخرج عدد كبير من أبناء نيجيريا من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وبعد عودتهم يلهجون بالشكر والامتنان للمملكة على هذه اللفتة التي تسجل للمملكة. ومن الذكريات أيضاً يقول: كانت مساحة منى (صغيرة) وكانت البيوت الشعبية منتشرة بها وكان يحدث بها ازدحام شديد من قبل الحجاج خلال تواجدهم في (مشعر منى) أما الآن توسعت مساحتها الإجمالية كما أنه خلال هذا العام شاهدنا الشكل الجديد لجسر الجمرات وللشاخص، وأيضاً تم هذا العام تنفيذ برنامج تفويج الحجاج لجسر الجمرات وكان أكثر من رائع) وهذه من الإنجازات الجديدة الذي تضاف للمملكة، ومن التطورات والإنجازات أيضاً التي يفخر بها كل حاج المشروع العملاق للخيام المطورة (بمشعر منى) وهذه الخيام مكيفة وضد الحريق، ومتوفر بها كافة الخدمات التي تمكن الحاج من أداء فريضته بيسر وسهولة. وأيضاً من المشاهدات: بأنه في تلك الفترة كان الحجاج يجدون معاناة كبيرة في التفاهم مع أبناء المملكة، لاختلاف اللغة والثقافة، وكذلك كان الكثير من الحجاج يفقد ويضيع في مكةالمكرمة أو في المشاعر المقدسة.. أما الآن ومنذ ان صدر الأمر السامي الكريم عام (1402ه) بإنشاء مؤسسات الطوافة وحتى الآن فإن هذه المؤسسات وخلال ربع قرن من الزمن حققت العديد من الإنجازات وساهمت مع الحكومة الرشيدة في توفير أرقى وأفضل الخدمات لحجاج بيت الله الحرام. وهنا لابد لي ان أتقدم بجزيل الشكر والتقدير والامتنان باسمي وباسم الحجاج عامة وحجاج نيجيريا خاصة للمملكة على هذه الجهود العظيمة التي تبذل سنوياً لخدمة ضيوف الرحمن، والشكر موصول لمؤسسة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية على خدماتها الجليلة وجهودها الكبيرة في مجال خدمة الحجاج الذين تتشرف بخدمتهم، واسمح لي ان اختتم حديثي بعبارة هي: (مليون شكر للمملكة) على هذه الجهود والخدمات.. وجزى الله المسؤولين بها خير الجزاء على هذه الأعمال العظيمة التي تسخر سنوياً لخدمة الحجاج. يذكر ان رئيس مجلس إدارة المؤسسة الأستاذ عبدالواحد برهان سيف الدين قام بتكريم الحاج النيجيري، حيث قدم له بعض الهدايا ومجموعة من إصدارات المؤسسة تكريماً للحاج، الذي أعرب عن شكره وامتنانه للمؤسسة على هذه اللفتة الكريمة.