لا يمكن الجزم بأن الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، عادت بأسلوب آخر، لأن إسرائيل، هي من يحرك الحدث، وتحاول أن تجعل أي تحرك روسي باتجاه المنطقة، هو عودة لجدولة الصراع، في وقت كانت تلك الحرب تجري بين حليفين وقطبين متنافرين في الأيدلوجيا، وتوزيع الأدوار، والمطامع، بينما روسيا تريد المحافظة على اتحادها من الانقراض أو التفتت، لكنها لا تخفي أن تهميشها يرد كضغوط ومحاولات أمريكية، لأن امتلاك هذه الدولة ثاني قوة في العالم قادرة على التدمير، أيضاً لا يعطي الضمانات بألاّ تعود كقوة جديدة، بأساليب وممارسات وتطلعات تغاير نهج الاتحاد السوفيتي القديم.. المثار حالياً موضوع صفقة الصواريخ لسوريا، والتعاون التقني مع الصين وتزايد التسلح بينها وبين الهند كحليف تقليدي، لكن ما هو أهم تصاعد الموجات التي ترى في الهيمنة اليهودية على عصب الاقتصاد الروسي، وانتشار الفوارق الحادة بين رأسمالية احتكارية تديرها تلك الأقلية، وأخرى وطنية أدركت أن بيع ممتلكات روسيا الرئيسية، سوف تجعل هيمنة اليهود ظاهرة لا تقهر، وباعتبار الرئيس بوتن يريد اللعب على كل الأوراق الداخلية والخارجية، وما قيل عن غموض شخصيته، والأهداف التي يسعى لها، يعطي دلالات مختلفة، بمعنى أن العالم الذي يتحرك من خلال تعدد الأقطاب يجعل روسيا ترغب ألاّ تفقد موقعها على الخارطة التي يعد لها الظرف الزمني، والتاريخي الراهن.. أمريكا لا تخفي قلقها، بممارسة ضغوطها على الروس، لكنها لا تستطيع منعهم من ترويج سلعتهم العسكرية، لبلدان تحاصرها أمريكا كعدو يهدد أمنها أو أمن إسرائيل، بنفس الوقت، لا تجد روسيا طريقاً لفك الحصار عليها من خلال توسع حلف الأطلسي إلى جمهوريات الاتحاد السوفيتي القديم وذهاب أوكرانيا إلى حليف للغرب، إلا أن تفتح ثغرات في مواجهة من يحرك أمريكا، وحتى لو افترضنا أن الصواريخ الروسية لسوريا تعتبر حديثة نسبياً، فموضوع الإثارة لا يتصل فقط بهذه الصفقة، وإنما جعلها قوة تطويق من قبل سوريا وتركيا التي لا ندري لماذا وضعت على قائمة الخوف الإسرائيلي، يضاف لهما إيران كقوة غير عادية، وأن هذا القوس سوف يكون الرد على التواجد الأمريكي في العراق، والردع الإسرائيلي النووي، الذي يهدد هذه الدول.. لعبة الكراسي الساخنة لا تزال تجري بين طرفين غير متساويين بالقوة الاقتصادية والنفوذ السياسي، لكنهما متعادلان من حيث أسلحة الرعب، وهنا جاءت روسيا لتطل على العالم بموقف ربما يعزز وجودها في محيطها.. والعالم..