بلاشك ان الرئيس الروسي بوتن، هو منقذ بلده من أزمة الفراغ الذي تركه (يلتسن) عندما أوقف النهب والفساد وتمزق الجيش ونشوء حالات الانفصال في الاتحاد الروسي، ليعيد لروسيا هيبتها، لكن الوضع مع انتخابه الأخير اختلف، أي أن الفترة الأولى والثانية جاءت والبلد يمر بحالة انتقال من امبراطورية سوفييتية عظمى، إلى اتحاد كبير، لكنه ليس برقعة وقوة تلك المرحلة، ولا بالقدرة الشعبية المؤيدة له.. من حق بوتن أن يفكر بعقلية زعيم الدولة العظمى، لأن روسيا من الاتساع الجغرافي والإمكانات الهائلة، إلى جانب قوتها العظمى مرشحة أن تلعب دوراً كونياً مؤثراً، لكن يظل المعيار الاقتصادي والتقني تحديداً، ميدان السباق، فروسيا رغم ما ورثته من علماء وطاقات بشرية متقدمة، كانت الإدارة السياسية في أسوأ حالاتها عندما وجهت موارد الاتحاد السوفييتي لسباق التسلح مع الغرب، وتركت التنمية الاجتماعية تعيش حالة التفسخ، وفرض الايدلوجيا أن تكون الرسالة التي يجب تطبيقها كنصوص ميتة، دون النظر للسباق العالمي نحو تجديد المعارف والقوانين، والاستفادة من العلماء وابتكاراتهم المدنية قبل العسكرية، ولو وضعنا روسيا بكل ما تملك مع كوريا الجنوبية، أو اليابان، فإنها لا تستطيع الوقوف مع البلدين بنفس القدرة الإنتاجية المتطورة، أو التأثير الاقتصادي.. فترة بوش الثالثة لا تجعله مطلق اليدين في إدارة البلاد مع أن هاجس الروح السوفييتية، ورجل المخابرات وحكم القيصر متداخلة في تفكيره، لكن هذا لا ينفع في عصر مقبل على تعدد الأقطاب وخاصة دخول الهند والصين والبرازيل المنافسة على الكراسي المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وحتى طبيعة السياسة اختلفت عن زمن القطبية الثنائية والحرب الباردة، فحتى الغرب المنافس بشقيه الأوروبي والأمريكي يعاني وضعاً مالياً متردياً، ولو كانت روسيا سخرت طاقاتها، باستغلال مثل هذه الفرصة، والتقدم خطوات بالوصول إلى السوق العالمي ببضائع متوافقة وإنتاج الدول المتقدمة، لا التركيز على الصناعات العسكرية فقط، فإن روسيا كانت بالفعل دخلت مجال السباق بما يوفر لها عمقاً تجارياً واقتصادياً تتساوى مع ألمانيا أو الدول الآسيوية الأخرى.. روسيا لا تزال دولة مهمة في الشأن العالمي، لكن أن تحاول منافسة أمريكا وحلفائها على مناطق النفوذ ببعض البضائع أو ما توفره من موارد النفط، ليس أساساً لتعادل القوى، وحتى التقنيات العسكرية تجد أمريكا متفوقة عليها بما في ذلك غزو الفضاء، وبالتالي فإن العودة إلى إقامة حرب باردة على نطاق دول محدودة، من أجل نزع مكاسب استراتيجية، تجعل مشكلة روسيا أن دول جوارها من منظومة الاتحاد السوفييتي تتجه غرباً أكثر من طلب مشاركة فعلية معها، والدليل أن دول آسيا الوسطى ذهبت لما هو أبعد بنشر صواريخ الأطلسي على أراضيها، كذلك الأمر في أوكرانيا التي ظلت سلة غذاء الاتحاد السوفيتي تتحرك لتكون عضواً في الاتحاد الأوروبي لأنهم يملكون قدرة النهوض بتلك الدول أكثر من روسيا.. الكل يرحب بالقطبية التعددية ويرحب بروسيا أن تكون ضمن الأعضاء الفاعلين لكن لا تزال الطرق مليئة بالعقبات وأهمها أن تعرف كيف تدير سياستها الخارجية وخاصة مع العرب..