أجمع عدد من مشائخ القبائل والأعيان والمختصين على ان ظاهرة "دفع الملايين" من الريالات للعفو عن المحكوم عليهم بالقصاص أصبحت من المشاكل الكبيرة التي تؤرق كافة شرائح المجتمع وبجميع طبقاته، نظراً للأضرار المادية والنفسية التي تخلفها عمليات الصلح التي تقوم وتنتهي على دفع تلك الملايين في غير وجهها الشرعي والتي تجاوزت خلال عام واحد أكثر من 40مليون ريال لتحرير ثمان رقاب فقط من حد السيف. وطالب الجميع بتدخل عاجل وقوي لمجلس الشورى من خلال قيام اللجان المعنية فيه بدراسات وابحاث وتبني قرارات لتقنيين العملية من منظور شرعي كما حمل آخرون الإعلام بكافة وسائله المرئية والمسموعة والمقروءة جزءاً من تفاقم المشكلة نظرا لتجاهلها وعدم تطرقها وبحثها في أسباب وسلبيات استمرار المشكلة وكذا إهمال الجانب التوعوي والإرشادي والاكتفاء بالتركيز على الإثارة عند توقيع الصلح بملايين الريالات التي أضحت حديث الشارع "الرياض" وقفت على مبالغ مالية كبيرة دُفعت للصلح، فعلى سبيل المثال. شخص عُفي عنه ب 12مليون ريال، وآخر اعتقت رقبته بخمسة ملايين ريال وترك دياره ومغادرة البلد ، وثالث عُفي عنه بمليوني ريال وسيارة، ورابع ب 12سيارة و 10ملايين ، وخامس ب 700الف ريال في طعنة سكين اثر خلاف ، ومليون ريال فى ضرب شخص لآخر، إلى جانب ذلك فإن البعض يبدي عفوه لوجه الله تعالى في ساحة القصاص ويرفض الملايين . الوعي الغائب! يقول علي عبدالله القاسمي: إن الصلح بين القبائل مسألة باتت تستنزف أموالاً لا حصر لها، وهي من الأساس بلا مبرر إن عدنا للخيط الأول من طريق الوصول لموضوع الصلح وما العزف المدهش للملايين والسيارات وقطعان الإبل والغنم المقدمة حين تحل قضية أو كارثة إلا دليل واضح أن هناك خطأ كبيرا في التركيبة الثقافية لمجتمع يستيقظ حين تنتهي القضية فقط!. مشيراً إلى أن المسألة خرجت من الطقوس المعقولة وضربت بالتقييم الشرعي عرض الحائط فضلا عن أنها تنبيء عن قدوم جيل مستهتر لا يأبه أبدا بما سوف يحدث طالما أن الدم الإنساني أو الخطأ المرتكب يحلان عبر حزمة ورق أزرق (بعده وبحضوره) يصبح بياض الوجه وأوراق التنازل مسألة وقتية تحتاج لشيء من إلحاح الطلب ورمي العقل وعرض اليمين المغلظة لرقم كبير من المقسمين وهنا تطور شرعي لا يستهان به. لابد أن نعترف أن الأمر برمته اتجه لجانب مالي بحت وابتعد عن أي إطار آخر وما جملة القضايا المحلولة في الفترة السابقة إلا برهان لذلك. ألم يكن من الأجدر والأمثل والأرقى أن تستثمر هذه المبالغ الخيالية وقيم الأشياء العينية (طالما أن من يدفع موجود)!! في بناء مراكز اجتماعية وثقافية متخصصة لتوعية المجتمع بضرر مثل هذه القضايا من الأساس، وليس من الصعوبة بما كان أن نكلف ونبحث عن مختصين - وتكريمهم بجزء بسيط من هذه المبالغ - لعقد المحاضرات والندوات والتثقيف الاجتماعي وحث الأفراد على ضبط النفس والابتعاد عن العصبية القبلية و(هنا تحديدا مربط الفرس ) مرورا بتوسيع المدارك وتنمية الثقافة الاجتماعية وتعميق قيمة الإنسان والإنسان الآخر، من المهم أن تنحصر مثل هذه القضايا في خطين أما تطبيق الحد الشرعي الواضح أو التنازل إلى الدية المقررة شرعاً أو العفو عن رضا نفس وبياض قلب دون مغالاة أو مزايدة. ولو استغل جزءاً من الوقت المنقضي في الذهاب والمجيء لغرض الصلح أو طلب التنازل أو خلافه في ما يقلص هذه الظاهرة ويساهم في الإقلال من هذه الإشكاليات لكان أنقى وأفضل. مبالغ تعجيزية سعيد محمد القحطاني "65" عاما يرى أن الأعراف القبلية هي أساس ترابط القبلية وضمان سلامة المجتمع في كثير من قضاياه، مطالباً بأن يكون هناك وعي بخطورة جريمة القتل وتأثيرها على العلاقات الاجتماعية.. محمد بن سعد "71" عاماً يرى أن أحكام العرف القبلي أمر تعوده المجتمع ورضى القبول به حتى أصبح محل الترحيب من كل أفراد القبيلة، ويطالب بالحفاظ على عادات الآباء والاجداد كونها تمثل تراث المجتمع وذاكرة تاريخ القبيلة، مشيراً إلى أن الشرع شدد في بعض قضاياه على الجناة لردعهم وكذالك العرف القبلي له رؤيته في التعامل مع تلك القضايا. من جهة ثانية أوضح الشيخ صالح بن مانع آل المونس احد أشهر المصلحين في قضايا الدم والقصاص بصعوبة تخلي المجتمع خاصة القبلي منه عن بعض العادات والتقاليد في مثل هذه القضايا والتي ولدت عند الغالبية العظمى ثقافة عدم الصفح والتسامح والعفو نتيجة لتراكمات شكلتها ثقافة القبلية وعصبيتها العمياء عبر عقود طويلة من الزمن، إلا بفرض شروط تعجيزية خوفاً من التبعيات التي تترتب على العفو من قبل بعض ضعفاء النفوس. وقال انه من خلال القضايا التي سعى لحلها توصل أن بعض الوسطاء هم من يتاجرون بالأعناق لمصالحهم الشخصية حتى قفزت المبالغ الى خانة الملايين، وهذا حرام ولا يقره الشرع، ويسبب مشاكل مادية ونفسية خاصة للسجناء وأسرهم وقبائلهم. وأضاف: إن الكثير غير راضين في إعتاق الرقاب من خلال منطق دفع الملايين، ولكن إلحاح المحكوم عليهم بالقصاص وقبائلهم بضرورة التدخل يتحتم على الوسطاء السعي فإما الرضوخ لمطالب اهل الدم او حد السيف وتنفيذ حكم الله فيهم، داعياً وسائل الإعلام إلى تنمية ثقافة التسامح والعفو في المجتمع، وعدم المبالغة في طلب الدية لان ذلك ليس من الدين في شيء. عوض فرحان الوادعي (إعلامي) اعترف بوجود المشكلة وشدد على ضرورة الحد منها من خلال عدم المبالغة في الشروط التعجيزية، وقال ان قلة الوعي وضعف الوازع الديني عند البعض هي من اسباب استمرار المشكلة وتفاقمها. داعياً إلى ايجاد حلول جذرية للحد من مشكلة دفع الملايين للعفو عن المحكوم عليهم بالقصاص، وتدخل مجلس الشورى لوضع دراسات لهذه المشكلة الاجتماعية ومحاولة تقنينها من خلال اللجان الاجتماعية بالمجلس، مؤكداً على دور المسجد بأهمية الصلح بدون ملايين وإنما لوجه الله تعالى. وطالب الو ادعي مشائخ واعيان القبائل بضرورة التصدي لهذه الظاهرة التي لا يقرها عقل ولا دين من خلال توعية أهل الدم بعظم الجزاء عند الله القائل في محكم آياته (والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)، مشيراً إلى انه خلال عام واحد تم دفع ما يزيد على 40مليون ريال لإعتاق ثمان رقاب من القصاص وما خفي كان اعظم، وهذا لا يبشر بالخير وبعيد كل البعد عن مبادئ ديننا الاسلامي الحنيف دين التسامح والعفو والصفح، مشيداً بأهل الدم الذين عفوا عن المحكوم عليهم بالقصاص دون أي مقابل ابتغاء لمرضاة الله.