سلوكيات المجتمع هي واجهته الحضارية وهي العنوان الذي من خلاله تنجذب الثقافات الأخرى وتتحفز لقراءته وسبر غوره، إيجابية كانت أم سلبية وبناء عليها تتحرك وتتشجع للتفاعل معه أو لتندمج فيه. قد يغفل البعض أو يستهين بالدور الذي يمكن أن تقوم به هذه السلوكيات مهما كانت بسيطة في تلميع صورة المجتمع أو تعتيمها وتشويهها لأن بساطتها المجردة تجعل منها أكثر قرباً ووقعاً في قلوب من يشهدها. لو أخذنا بعضاً من هذه السلوكيات الحضارية وبحثنا فيها في مجتمعنا العربي أو المحلي لوجدنا أننا بالرغم من نزعتنا الشديدة للانتقاد وتأففنا، نخفق في تحسين مساوئها أو تطويرها بالرغم من تذمرنا منها وإعطائنا لأنفسنا أعذاراً نسكت بها أصوات تقاعسنا. كم مرة وقفنا أمام شباك خدمة أو طلباً لحاجة وتذمرنا فيها من عدم احترام غيرنا لدورنا؟ نقارن طوابير المجتمعات المتحضرة التي تمتد في خطوط مستقيمة بطوابيرنا المثلثة الشكل والتي تتسع زوايا رؤوسها وتنفرج أكثر وأكثر مع نفاد صبرنا حتى تصبح أقرب لخط عرضي يدعي كل فرد فيه أحقيته في الدور! هذه الظاهرة المؤذية شديدة الانتشار في مجتمعنا ولا تجد مبرراً منطقياً لها لأنك تراها من شرائح المجتمع المختلفة المتعلمة وغير المتعلمة وفي جميع فئاته العمرية ففي كل طابور لا بد وأن يظهر لك فرد أو مجموعة تتململ في مكانها وترفض احترام حق الآخرين ممن ينتظرون معها. تراها في كبار السن فتلتمس لهم عذراً في قلة صبرهم ثم تراها في الشباب وتعزوها لطيشهم وتشهدها في الصغار وتبررها بجهلهم مع أن الحقيقة ليست في هذه ولا تلك. إنها سلوكيات حضارية أهملناها ولم نحرص على تعميقها في مجتمعنا من خلال البيت أو المدرسة. وليس الأمر يتوقف عند احترام الدور أو الطابور والالتزام به بل يتعداه إلى أمور أبسط ولكنها تصب في نفس الاتجاه تراها أمام المصاعد الكهربائية عندما ينفتح بابها فكثيراً ما تجد من يسابق الخارجين منها ويزاحمهم على الدخول فيها دون أن يعترف بحقهم في المرور وواجبه بالانتظار. بل إن الألم والتساؤل يعتصرانك عندما ترى بعضاً من سلوكيات المجتمعات المتحضرة الأخرى التي يحرص فيها من يسبقك إلى أي باب على أن يمسك به لك احتراماً لتمر من بعده بينما لا يستحي الناس في مجتمعك من تركه بعدهم ليصفع في وجه من هو وراءهم! سلوكيات وآداب بسيطة يغفل الآباء عن غرسها في أبنائهم وتفتقر المناهج التعليمية الحالية إليها، مع أنها بالرغم من بساطتها ترقي من مستوى المجتمع وتزرع الود والإلفة بين أفراده وتحبب المجتمعات الأخرى فيه وتشجعها على التفاعل معه والانفتاح عليه.