أكتبُ من البحرين حيث شارف على الختام، المؤتمر القانوني لمكافحة العنف الأسري الذي تعقده "كرامة" جمعية المحاميات المسلمات لحقوق الإنسان (جمعية أمريكية مسلمة) تحت رعاية صاحبة السمو الشيخه سبيكة بنت ابراهيم آل خليفه، قرينة ملك مملكة البحرين رئيسة المجلس الأعلى للمرأة بين 2- 4ديسمبر 2008والذي ضم نخبة من قانونيات العالم العربي بما فيه الجزيرة والخليج. وقضية العنف الأسري قضية أصبحت هاجساً ومتنفساً نظراً للسقف الذي ارتفع لدى صحفنا ودوائرنا ليترك لها العنان تتنفس وتُخرج ما اعتمل في الصدر ودار في الدار من جرح وضرب أو إهانة. وقد أصاب مجتمعَنا خير كبير عندما بدأ يتكلم وعندما صارت الصحافة صوته وصدى كلماته. وقد كان للمؤتمر من وجهة نظري شقان، شق يتعلق بشكله الذي كان متميزاً بموضوعه الخاص بالعنف، وتلك المواضيع المتعلقة بالعنف، والشق الآخر يتعلق بالشخصيات التي حضرت وشاركت. فمن تعريف العنف إلى الموقف منه في القوانين الدولية والعربية إلى تشريعات مكافحته وعقوباته من خلال التشريعات الخليجية والعربية المشارقية والمغاربية إلى الموقف الفقهي من العنف الأسري لا سيما ضد المرأة. والتعريف الذي من المهم أن يكون حاضراً لدى العامة والخاصة عند الإشارة إلى العنف الأسري هو أنه: "العنف البدني والجنسي والعنف النفسي الذي يحدث في إطار الأسرة، بما في ذلك الضرب، والاعتداء الجنسي على أطفال الأسرة الإناث، والعنف المتصل بالمهر، والاغتصاب الزوجي، وختان الإناث وغيرها من الممارسات المؤذية للمرأة، والعنف المرتبط بالاستغلال"، (المادة الثانية من إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة لعام 1993)، كما يتصل به الحرمان المادي والعنف اللفظي والإهمال وغيره. وهذا لا يلغي أشكال العنف الأخرى التي تتعرض لها المرأة في إطار المجتمع أو إطار المؤسسات الرسمية ولكن التركيز كان على العنف الأسري. وقد كان من المفيد عقد مقارنات بين التشريعات على مستوى العالم العربي لاسيما دول الخليج للاطلاع على كيفية معالجة القضايا التي تتعلق بالعنف. كما أن هذه المقارنة أظهرت الفراغ التشريعي الذي تعيشه عدد من الدول العربية التي ليس لديها تدوين لأنظمتها وقوانينها (ومنها البحرين والسعودية). بل وتحمل كثير من التشريعات تمييزاً ضد المرأة وأخرى تسامحاً في العنف ضد المرأة يؤدي إلى تفاقم المشكلة وتعقدها. وكان لطريقة الورش التي اقتسمت مهمة العصف الذهني للخروج بآليات قانونية لمكافحة العنف الأسري أثر قوي في الاستفادة من العدد الكبير من المختصات والمهتمات بالشأن الأسري والقانوني واللاتي في غالبيتهن مختصات سعوديات أو طالبات قانون، حيث أتاحت هذه الطريقة لهن ولهم فرصة النقاش المركز للخروج بهذه الآليات بعد ثلاث جلسات. وتم بعد ذلك التصويت عليها، وهكذا خرج المؤتمر بعدد من الآليات القانونية التي سوف تُعرض على عدد من مشرّعي الدول العربية من خلال لجنة أخرى مصغرة سوف تقوم بعرضها على برلماناتها وجهاتها التشريعية المرخص لها باقتراح تشريعات كالمطالبة بإنشاء محاكم أسرية مختصة بقضايا الطلاق والحضانة وإنشاء صندوق نفقة، وإيجاد آلية لضبط حدود الولاية بإعطاء المرأة الأهلية المناسبة لزماننا ومكاننا، وإلزامية الفحص الطبي للأمراض الوراثية والوبائية والجنسية وإنشاء أقسام متخصصة في الدوائر مثل الشرطة والشؤون الاجتماعية لتقدم الدعم القانوني والاجتماعي والحماية والمتابعة لضحايا العنف الأسري (خط ساخن فعال+ دور إيواء تدار من مؤسسات غير حكومية) وغير ذلك من الآليات التي منها ما صُوّت عليه بالأغلبية ومنه ما خُصص ليكون في مقدمة الآليات كشكل من التوصيات ومنه التوصية بإدخال برامج حقوقية في المناهج التعليمية. أما في الجزء الفقهي الذي تناوله الدكتور محمد سليم العوا والدكتورة منجية السوايحي من جامعة الزيتونة والدكتورة عزيزة الهبري من جامعة ريتشموند في الولاياتالمتحدةالأمريكية (مؤسِّسة كرامة ومنظمة المؤتمر)، فقد كان يدور في معظمه حول آية الضرب وتقديم التفسيرات المختلفة حولها ولي فيها آراء، لكن باختصار، رأيت أن هذا الجهد كان يُغنيه ويُغني عنه أن قدوتنا في تطبيق هذه الآية، كما استدعت الدكتورة منجية، هو الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي لم يضرب ولم يشتم ولم يُهن ولم يجرح أيّ من زوجاته قط، على الرغم من العديد من النزاعات والصراعات التي عرفت من خلال السيرة جرت في بيت النبوة بين زوجاته وفي غضبته منهن ذهب واعتكف في المسجد. فهل عطّل رسول الله (صلى الله عليه وسم) آية قرآنية عندما لم يضرب زوجاته الناشزات في عرفنا؟. @ مؤرخة وكاتبة سعودية