أسهل وأيسر طرق الزعامة في عالمنا العربي والإسلامي، هو أن يتبنى الزعيم شعارا قوميا أو إسلاميا راديكاليا فضفاضا، يعد فيه الجماهير باجتثاث العدو، وبناء أجمل مخدع لأحلام المستقبل حتى وإن كانت مجرد حفنة من الأوهام التي لا يستجيب لها العقل ولا موازين القوى، ومعظم جماهير الوطن العربي والإسلامي المضروبة تربتها بداء النكسات، لا تزال تستدعي صورة الزعامة بمقاسات الماضي، تارة تستحضر منجز صلاح الدين من مستودع الذاكرة ثم تعيده، وتارة تستحضر شعارات عبد الناصر من ذات الأرشيف ثم ما تلبث أن تعيدها، وتظل، ،تظل، تدور في فلك أحلامها المؤجلة.. لتحيل إليها كل أوزار الواقع، وفي كلتا الحالتين لا فرق بين المنجز والشعار.. المهم ألا تتحرر من سلطة الحلم لأن الواقع يُفزعها ويفضحها. لا أحد يُريد أن يتعاطى مع الواقع واستحقاقاته، ولا أحد يُريد أن يتعامل مع كل تلك التركة الثقيلة من خيبات الأمة ليتجاوزها وليبني لأمته مستقبلا تستحقه.. الجميع يُريد أن يقطف الثمرة الآنية ولو كانت مجرد فقاعة إعلامية وحسب. الملك عبد الله الذي أسس بحوار الأديان أول مشروع حقيقي للسلام العالمي زعيم مختلف.. فهو لم يبحث عن الزعامة عبر تلك الشعارات المنبرية التي تتملق الجماهير، وتلهب أكفهم بالتصفيق، وإنما اختار أولاً أن يكون أباً لشعبه، رائداً في أمته، مسؤولا عن بناء مستقبلها انطلاقا من واقعها القائم لا ما يراه تجار الأحلام، والمزايدين على الأمجاد الغابرة. كل المشاريع التي تبناها (أبو متعب) لا صلة لها بالشعارات التي تطير في الهواء، وإنما هي مشاريع تأسيس لإعادة موضعة الأمة في الموضع الذي تستحقه بين أمم الأرض، (فالحوار الوطني والإسلامي ثم حوار الأديان) وحتى جامعة الملك عبد الله بتوجهاتها البحثية، وصندوق معالجة الاحتباس الحراري، كلها مشاريع جيلية تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد لكي تنضج وتؤتي أكلها، ولا يُراهن عليها إلا زعيم حقيقي، يعرف أن الزعامة لا تتأتى إلا بمواجهة التحديات، في حين أنه لو كان يفتش عن مجد شخصي وزعامة جاهزة لاختار أيسر الطرق لبلوغها عبر شعار ديماغوجي، ولا بأس أن يكون شعارا أثيريا.. إذ لا يزال لدينا كأمة ما يكفي من الوقت ولخمسين سنة قادمة، لقبول كل ما يدغدغ أحلامنا بقطع النظر عن الواقع والوقائع، لذلك ولأنه زعيم مختلف انتصرت له الزعامة، منذ أن سلك أصعب الطرق إليها وهي طريق معالجة الواقع بما يستدعيه من تحضير كل الطاقات، ومد كل جسور الحوار، وترقية الحس الإنساني لترسيخ رسالة الإسلام / السلام، فقد قدم نموذجا خاصا للزعيم الذي يُريد أن يُجدد التربة مما علق بها، ليضمن سلامة إنباتها، وهكذا تتأسس الزعامة الحقيقية، التي لا تغيب ولن تغيب.. لأنها ترتكز على استحقاقات المرحلة بكل معطياتها سلبا وإيجابا، ولا تستحضر ذاتها من الأوهام والأحلام والإعلام.