طرح مجلس الشورى موضوع زواج السعوديين من أجنبيات في 13أكتوبر 2008، وقد طالب بعض الأعضاء "بتسهيل إجراءات زواج السعودي من غير السعودية... لأن منع الزواج من الأجنبيات أدى إلى مثل هذه الزيجات غير النظامية... وأنه (ليس في المستطاع) منع زواج السعوديين من غير السعوديات..."!! لكن المجلس منح لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب فرصة لدرس ما طرح من آراء في جلسة مقبلة. وفي جلسة يوم الأحد 9نوفمبر التي ترأسها الدكتور بندر حجار دار جدل واسع بين الأعضاء داخل المجلس - حسب ما ذكرته الصحف - بشأن التوصيات التي قدمتها اللجنة المذكورة لإعادة النظر في ضوابط الزواج من الخارج الصادرة بقرار من وزير الداخلية، لكن اللافت هو تساوي أصوات المؤيدين بشدة لتعديل الضوابط والرافضين لذلك، مما جعل رئيس الجلسة يسقط التوصية، ومع تقديري لحرص الجميع لكني أوقن تماما أن قرار وزير الداخلية لم يأت من فراغ، إذ يملك رؤية أبعد وأكثر وضوحا من بعض الأعضاء فيما يخص الآثار السلبية المترتبة على هذه الزيجات التي قد لا يعلم عنها بعض الأعضاء المؤيدين، الذين ليست لهم تجربة تتجاوز تخصصاتهم العلمية والمهنية. يرى الرافضون لتعديل الضوابط المطالبون بإسقاط التوصية أنها تشكل خطرا كبيرا لما ينطوي عليه الزواج من الأجنبيات من سلبيات كثيرة وتكاليف باهظة، وتعديل الضوابط سيفتح الباب على مصراعيه للراغبين في الزواج من الخارج، وإنه إذا كان يوجد خلل فهو حتما ليس في الضوابط المفروضة بل في تطبيقها، منه التحايل على النظام من خلال الرشاوى التي تقدم لبعض الموظفين، مما يستدعي الحزم في هذا الأمر. أما المؤيدون للتعديل فتبريرهم عاطفي محض يقوم حسب تعبير أحدهم على أن (الزواج ليس تعاملا سياسيا أو تجاريا، وإنما هو علاقة إنسانية، ومن الصعب منع هذه العلاقة متى كان الطرفان متفقين... ومثل هذه القضايا لا تعالج بالمنع، ولكن بدرس الأنظمة بشكل منطقي وعقلاني)! يعتري المتأمل لهذا القول العجب من تلك العلاقة الإنسانية التي لا تجد مبتغاها إلا فيما وراء الحدود!! وأي منطقية وعقلانية أكثر من توضيح المخاطر الجمة التي تترتب على هذه الزيجات، وتغليب المصلحة الوطنية الواسعة على المصالح الضيقة للراغبين في إقامة علاقات إنسانية خارجية !!! دعونا نتساءل في البداية عن نوعية الرجال الذين يقدمون على هذه الزيجات، حسبما نشاهد في بلادنا فإن كبار السن يتصدرون القائمة، أولئك الذين لم يجدوا مواطنة ترضى بهم، يليهم الشباب من ذوي الدخل المحدود الذين يعتقدون سذاجة أن الزواج من الأجنبية أقل كلفة من الزواج بمواطنة قد يكون مهرها مرتفعا، لكنها هي وليس غيرها القادرة على مشاركته أعباء الحياة بحلوها ومرها، لأن قبولها به ليس مبنيا على مصلحة مادية مقدمة على سواها من المصالح، كما أنها ليست مجرد منشار يأكل كلّ ما يواجهه صعودا ونزولا! ثم يأتي المعددون من أي عمر كان؟ وهؤلاء في الغالب مقتدرون ماديا وهم محل طمع أولئك النسوة وأسرهن أكثر من غيرهم، يليهم بعض الشباب الذين ذهبوا للدراسة أو السياحة ووقعوا فيما يظنون أنه حب وهيام، ثم تأتي الشريحة الأكبر والأخطر والأكثر استهتارا وهم من يتزوجون حسب الفتاوى التي أباحت لهم أصنافا متعددة من الزيجات، من مسيار ومصياف ومضياف (بالضاد) ومؤانسة ومتعة وعرفي وسياحي، وغير ذلك مما لم يشرعه الدين بصورته المجحفة، وشرعه البشر لغايات في نفوسهم! ناهيكم عن توريط الشباب والسياح السذج من قبل عصابات الدعارة في دول معينة بإجبارهم على الزواج من مومسات، وعندما يكتشف السائح شر ما وقع فيه يولي هاربا، مخلفا من أصبحت زورا وبهتانا زوجة له، وقد تحمل في بطنها جنينا ليس له فتدعي قيما بعد أنه ابن لذاك السائح الجاهل، كما لا ننسى حالات توريط سعوديين من قبل أسر فتيات في بلد عربي، حيث تُدفع الفتاة دفعا في طريق شاب أو كهل، ثم يداهمون مسكنه بدعوى أنهم شرطة آداب، ويجبرونه على إمضاء عقد الزواج حماية له من السجن مقابل أموال وما شابه ذلك، أو ما يحدث في بلد عربي آخر من ابتزاز الأزواج من قبل أسر الزوجات، فبعد الزواج بأشهر عدة وتمكن الزوجة من سحب كل ما يملكه من مال، تطلب السفر لزيارة أهلها وهناك يمنعون الزوج من أخذها ويعرضونه لمزيد من الابتزاز والضرب والإهانة وربما السجن، وتعج سفاراتنا بكثير من تلك القصص والحالات التي يوقع بعض السعوديين أنفسهم فيها بوعي أو دون وعي. أفمن أجل هؤلاء الأزواج غير المسؤولين يطالب بعضهم بتغيير ضوابط الزواج من الخارج وتسهيله بصفته علاقة إنسانية وخيار اثنين ؟؟ كلنا يعلم أن معظم تلك الزيجات قائمة على مصالح مادية، وإلا فمن ذا الذي يضحي بابنته الشابة فيزوجها كهلا أو شابا غريبا عنها لتعيش بعيدة عن أهلها وموطنها في بيئة مختلفة، لو لم تكن الأسرة معتقدة أن كل سعودي ينام على بئر بترول! أو أنه مجرد بقرة حلوب تدر منافع كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة. تكلف هذه الزيجات النظامية وغير النظامية الدولة جهودا وأموالا هي في غنى عن صرفها في هذا السبيل، فقد استلزمت هذه الأوضاع الشاذة إنشاء جمعية (أواصر) لرعاية ما خلفته تلك الزيجات من آثار، وحسب إحصائية صادرة عن الجمعية فقد بلغ عدد الأسر التي ترعاها في الخارج 690أسرة، بلغ عدد أبنائها 1953فردا، في كل من مصر وسوريا والأردن ولبنان والمغرب والبحرين والإمارات وقطر والكويت والفلبين وبلجيكا وأمريكا وكندا والهند، وأكثر الأسر في مصر حيث وصل إلى 233أسرة مكونة من 695فردا وأدناها في الهند حيث توجد أسرة واحدة من فرد واحد. وبلغ عدد الأسر السعودية التي أعادتها الجمعية من الخارج 23أسرة، لكن بعض من تعيدهم يرجعون مرة أخرى إلى أوطان أمهاتهم بعد أن يستخرجوا أوراقا نظامية، وذلك لتخوفهم من حضانة الأبناء أو لأسباب اقتصادية. لا ريب أن تلك الزيجات تترتب عليها آثار سلبية ومخاطر جمة، يأتي على رأسها تشويه صورة الوطن، وذلك من خلال تصرفات بعض أولئك الرجال حتى وإن كان زواجهم وفق الشروط المسموح بها، ولا تنفك الصحف تطالعنا بكثير من ذلك، فمنهم من يتزوج ويترك زوجته وأبناءه نهبا للتشرد والضياع في بلاد الزوجة، ومنهم من يتزوجها ويأتي بها للوطن لكنه يخدعها فلا يوثق الزواج وينكر أبناءه منها، كالزوج الذي ادعت عليه زوجته الأجنبية لأنه لم يوثق زواجه منها ولم تكتشف ذلك إلا عندما أرادت تسجيل ابنتها في المدرسة، بعض الرجال يفعلون ذلك خوفا من أن تكتشف سره زوجته الأولى أو زوجاته وأبناؤه، ومنهم من ينتقم من زوجته الأجنبية فيحرمها من رؤية أبنائها كالذي استخرج شهادة وفاة مزورة لابنته، أو الذي عذب ابنته ذات الأربعة عشر عاما انتقاما من أمها الأجنبية، ناهيكم عن خطف الأطفال من أحد الطرفين الزوج السعودي أو الزوجة الأجنبية نكاية بالآخر والأطفال هم الضحايا دائما، كما تورط ضعاف النفوس من المواطنين في ترتيب تلك الزيجات بين الأجنبيات المقيمات بصورة غير نظامية، وبعض الرجال السعوديين من هواة المسيار وغيره، إذ قبضت شرطة مكة على مأذون أنكحة وسمسارة سعودية كانت تمارس السمسرة على نطاق واسع، وتتقاضى 500ريال مقابل الرؤية و 2000ريال عند إتمام العقد. كما توجد كثير من الممارسات غير السوية التي تمارسها بعض الزوجات الأجنبيات ضد أسرة زوجها وأبنائه وأحيانا ضد الزوج نفسه، كتحريض زوجها على زوجته الأولى أو على أبنائه من مطلقته، و ليس مصادفة أن زوجة الأب الأجنبية كانت شريكة له في عدة حالات من حالات تعذيب الصغيرات اللاتي لقين حتفهن جراء ذلك، وعوقبت فيها الزوجة الأجنبية مثل عقاب زوجها. هذه أمثلة قليلة لنتعرف على نوعية بعض الرجال الذين يتزوجون من غير المواطنات. تذكر إحدى الإحصائيات أن السعوديين ينفقون 500مليون ريال على الزواج المصرح بواقع 30ألف حالة زواج، فكيف سيكون الحال لو فتح الباب على مصراعيه لتلك الزيجات؟ وكم سيصبح العدد؟ قد أتهم بأن مخاوفي ناجمة من عدم الثقة في السعوديات وعدم قدرتهن على منافسة الأجنبيات، لكن الواقع غير ذلك فالسعودية لا سيما العصرية قادرة بما تملكه من صفات على المنافسة وبقوة، لكن عبث بعض الرجال لا توافق عليه السعوديات الواثقات في أنفسهن، بل واللاتي لا تسمح كرامتهن بأن يكنّ ألعوبة في أيدي رجال غير مسؤولين نظير مصالح آنية. وهنا لابد لنا من طرح تساؤلات منها: كم من رجل تزوج من الخارج رغبة في الاستقرار وتكوين أسرة؟ هل ذلك الشخص الذي ترك زوجته وأطفاله في موطن زوجته، فعل ذلك بسبب صعوبة الشروط ؟، أم لعدم إحساسه بالمسؤولية تجاه الزوجة والأبناء، وأن الزواج بالنسبة إليه ليس إلا رحلة عابرة تنتهي عند نهاية إقامته في بلد الزوجة؟ هل تعديل القانون سيردع أولئك العابثين؟ ليس صحيحا أن كل الذين يتركون أبناءهم في الخارج تزوجوا على نحو غير نظامي، بل هناك من تزوج بطريقة نظامية لكنه ترك الزوجة والأبناء لعدم رغبته في كشف أمره، أو لعدم قدرته على الإنفاق على بيتين أو أكثر، علاوة على أن الكثرة منهم من الفئات التي ذكرناها أعلاه، ويتخلون عن أبنائهم وزوجاتهم بالبساطة نفسها التي تزوجوا فيها. لابد من الأخذ على أيدي العابثين بتطبيق عقوبات صارمة بحقهم ليس أقلها منعهم من السفر ومصادرة جوازات سفرهم والتشهير بهم على حد توصية تقدم بها بعض المعنيين بهذا الملف، كما يجب تنظيم حملات توعية في المساجد ووسائل الإعلام والمدارس والجامعات لمحاربة هذا النوع من الزيجات في الداخل، وللحد من استغلال بعض المقيمات للمسيار والمؤانسة وغيره من أنماط الزيجات الجديدة، فإذا كانت المواطنات يعانين من البطالة جراء مزاحمة الوافدات لهن، فهل يريد المنادون بتسهيل الزواج من الأجنبيات أن تُزاحم المواطنات أيضا في الزواج من بني جلدتهن؟ كنت قد كتبت في مقال سابق أن الزواج من الأجنبيات منتشر على الرغم من شروطه الصعبة، فكيف سيكون الوضع لو سهلت شروطه وأطلقت حرية الزواج دونما ضوابط؟ إن الذين يريدون تسهيل الزواج من الخارج، سيساهمون في خلق مشكلات أخرى للوطن وللمواطنين، حيث سيتزايد تطليق المواطنات وتعدد الزوجات الأجنبيات، فضلا عن تفاقم مشكلات العنوسة، بل وسوف تزيد معدلات البطالة للمواطنين الشباب؛ لأن الزوجات اللاتي سيكتسبن الجنسية سيأتين بأقربائهن وربما كل أهل قراهن للعمل هنا، إنه إذا كان يوجد بيننا من يستهين بأمر الزواج فيتزوج من أراد ومتى أراد وكيفما أراد دون أدنى إحساس بالمسؤولية الأسرية أو الوطنية، فلا ينبغي تشجيعه على ذلك، بل يجب الحد من تلك الزيجات بسن قوانين أكثر صرامة مما هو موجود. وأخيرا إن مما يسترعي الانتباه أن كثيرا من الرجال لا يكادون يتفقون على شيء قدر اتفاقهم على الأمور التي تتعلق بتسهيل الزواج بأي صورة كانت وتحت أي ذريعة. شكرا للرافضين تعديل الضوابط، فوجودهم يعطينا الأمل في أن بعض القرارات المماثلة لن ترى النور في وجودهم.