تصور وجود صهريج أو برميل كبير يتسرب الماء من أسفله "نقطة" "نقطة".. في هذه الحالة لن تمر بضعة أيام حتى يفرغ تماما.. ولكن في حال تلقيه "نقاطاً" مساوية من الأعلى سيحافظ على مستواه بحيث يبدو الماء فيه "ثابتا".. أما في حال كان ما يتلقاه أكبر مما يفقده فسيتملئ أكثر/ في حين سينقص بالتدريج في حال كان "التسرب" أعظم من "التعويض" حتى يفرغ تماما!! ... في الحقيقة؛ جسم الانسان يعمل على هذا النحو!! فجسم الانسان - من الناحية النظرية - لا يفنى ولا يتغير كونه (مثل الصهريج أعلاه) يعوض الخلايا المفقودة بخلايا جديدة لها نفس القدرة والتخصص.. وهذه الظاهرة نلاحظها عبر فقدنا للشعر والأظافر وقشور الشفة وفروة الرأس وبطانة الأنف (وجميعها خلايا ميتة يتم استبدالها بأخرى جديدة).. ليس هذا فحسب بل تتضاعف وتيرة التعويض وإنتاج الخلايا في الحالات الطارئة؛ فخلايا الجلد مثلا تموت وتتجدد بشكل متواز وهادئ ولكنها تنشط فجأة وتستنفر كامل طاقاتها لسد جرح أو شق أو قطع حصل على ذراعك (حتى إذا ما التحم طرفا الجرح عادت لسابق عهدها)... وتتفاوت الخلايا في عمرها الافتراضي وسرعة تجددها؛ ففي حين يموت بعضها خلال أيام وأسابيع، تعيش أخرى لأشهر وسنوات.. وخلال بحثي في أعمار الخلايا وجدت أن أكثرها تعميرا يعيش لمدة سبع سنوات (رغم احتمال بقاء بعضها حتى 16عاما).. وهذه النتيجة العجيبة تعني (بكل ما تحمله الكلمة) أن الجسد الذي تملكه الآن ليس هو الجسد الذي كنت تلبسه قبل 7سنوات (رغم أن مستوى صهريجك يبدو ثابتا بلا تغير).. فكهلا يبلغ عمره 42عاما تغير جسده 6مرات، وشيخا عمره 70عاما تغير جسده 10مرات، وعجوز عمرها 84عاما تغير جسدها 12مرة!! المسألة المحيرة فعلا ليست في تغير أجسادنا بل في بقاء وديمومة مشاعرنا وأرواحنا وذكرياتنا وأفكارنا خلال هذه المراحل - وهو ما يقودنا للتساؤل عن موقعها واحتمال استقلالها عن الجسد!! وأكثر الاحتمالات ترجيحا هو حدوث عمليات تناقل (وتمرير) للخبرات والذكريات بين أجيال الخلايا المتلاحقة (كما يتم تناقل الأساطير والمعتقدات بين الأجداد والآباء والأبناء)... كما أفترض حدوث نفس الشيء مع شفرتنا الوراثية وحامضنا النووي DNA بحيث نحافظ دائما على صفاتنا الوراثية المكتسبة التي تميزنا عن غيرنا - ونعود لتوريثها لأطفالنا لاحقا!! ورغم هذا كثيرا ما نشعر أو نصادف أشخاصا يمتلكون شعورا غامضا بالتغير ويعبرون عن ذلك بقولهم "لم أعد كما كنت قبل سبع أو عشرة سنوات".. ورغم أن هذا الشعور يرتبط غالبا بالجانب الشخصي والذهني أكثر من الجانب الجسدي والمادي إلا أنني لا استبعد تأثره بعمليات تغير الجسد نفسه وتجدده بالكامل (حيث لابد من فقد أو ضياع جزء من مكوناتنا الذهنية والفكرية خلال عمليات التبديل الجسدية)! على أي حال؛ قبل أن أختم المقال استميحكم عذرا بالعودة لصهريج الماء: @ فحين نكون في فترة الطفولة (والنمو) يتلقى صهريجنا تعويضا أكبر مما يفقد وبالتالي تنمو أجسادنا وتكبر. @ وحين نصل لمرحلة النضج والشباب يتعادل الوضع (بين الفقد والتعويض) فتظل أجسادنا ثابتة ومتوازنة لفترة معينة.. @ وحين ندخل مرحلة الكهولة والشيخوخة تقل قدرتنا على تعويض الخلايا المفقودة فنضعف ونهرم (بل وننكمش) فيبدأ صهريجنا بالتناقص.. حتى يفرغ تماماً!