زوبعة من الجدل تعصف عالمياً حول الخلايا الجذعية وتشمل الجمعيات الطبية والعلمية ورجال الدين والسياسيين، وعلماء الأخلاق وشركات الأدوية والجامعات والمراكز الطبية ومجالس النواب والشيوخ والوزراء والإعلاميين وحتى المنافسين في الانتخابات الرئاسية الأميركية وعامة الشعب حول موضوع في غاية الأهمية يعود الى انتاج الخلايا الجذعية واستعمالها في الأبحاث العلمية. وقد تضاربت الآراء واحتدمت المناقشات العلمية والعاطفية والمنطقية وغير المنطقية وانقسم العالم الى فريقين من الأشخاص منهم من يحبذون الابحاث حول تلك الخلايا الجذعية ومنهم من ينبذها تماماً ويعتبرها جرماً بشعاً بحق أجنة مستعملة لأغراض تجارية. وقد تفاقم هذا الانشقاق العميق بين العلماء ورجال الدين والسياسيين وخبراء الأخلاق وسنت القوانين في بعض الدول تمنع تلك الأبحاث بينما وافقت عليها بشروط دول أخرى وقامت عدة مؤتمرات وندوات دولية جمعت عدة فرقاء من مهن مختلفة لمناقشة منافعها وخطورتها وأضرارها وأخلاقياتها وأسايبها العلمية ووسائل تطبيقها ولكن بدون التوصل في أكثر الحالات إلى نتيجة مقبولة من جميع المشتركين. ولابد لنا في هذه المقالة من شرح مزايا تلك الخلايا العلمية بطريقة موجزة وموضوعية لاعطاء الفرصة الى قرائنا الأعزاء بتكوين آراء خاصة بهم حولها بكل تجرد وعقلانية بعيداً عن الهوس العارم الذي يعصف بالعالم حولها. تعريفها فما هي الخلايا الجذعية وكيف يتم تكوينها واستعمالها؟ وما هي أنواعها وما هي فوائدها وخطورتها؟ إن تلك الخلايا موجودة عند الأجنة بأشكالها البدائية وتستعمل في تكوين اعضاء الجسم من الدماغ الى القلب والكبد والكلى والأعضاء الأخرى ولها المقدرة ايضاً على تكوين خلايا جذعية أخرى لاستبدال الخلايا المستعملة. وفي بداية تكوين الجنين حيث لا يزال يشكل كيسة أريمية في مراحله الأولى وقبل غرسه في الرحم توجد خلايا جذعية داخل تلك الكيسة ستساهم الى انتاج مختلف اعضاء الجسم وتملك بعض تلك الخلايا القدرة على صنع خلايا مختلفة قد تكون انتاجية ومسؤولة على الانطاف والاباضة وتكوين الخصية والمبيض أو جسدية أي أنها تساهم في تكوين الأعضاء الأخرى. واذا ما تم زرع تلك الخلايا ذات الامكانيات المتعددة في المختبرفقد تملك القدرة على انتاج الأنسجة والأعضاء المختلفة. هنالك خلايا جذعية مختلفة تستخلص من الفئران والسمك أو من الأشخاص البالغين وتختلف مزاياها عن الخلايا المضغية. و أظهرت دراسة قامت بها الدكتورة «بيانكي» من جامعة «تفش» في بوسطن ان بعض الخلايا المضغية قد تدخل دم الأم أثناء الحمل وقد تبقى في جسدها لمدة طويلة أو احيانا بطريقة مستديمة وتساعد على تصحيح أي خلل يصيب احد اعضائها لتكوين الأنسجة المفقودة والحل مكانها أو تصليح أية آفة تصيب أي عضو في جسمها. وقد استطاعت الدكتور «بيانكي» وزملاؤها من استخلاص خلايا جذعية ناتجة من الجنين، خصوصاً اذا ما كان ذكراً إذ أنها أثبتت وجود كروموزوم Y فيها واعتبرت أن تلك الخلايا الموجودة في جسم الأم قادرة على التحرك لمعالجة عدة أمراض تصيبها وكأن الجنين يرد الجميل لأمه ويحميها من الاصابات المرضية. سبحان الله تعالى. ولكن لماذا كل هذا الجدل حول استخدام الخلايا الجذعية من المضغ إذا أمكن استعمال الخلايا التي يمكنه الحصول عليها من الاشخاص البالغين ومن الفئران والسمك؟ الحقيقة أن تلك الخلايا الموجودة عند الكثير من البالغين أوالتي قد يستعملها الجسم لتصليح الخلل الذي قد يصيب بعض أعضائه لم تصلح حتى الآن لمعالجة الأمراض، فضلاً عن أن الخلايا الجذعية عند الفئران والسمك لم تنفع حتى عند الحيوانات في شفاء بعض الأمراض الوراثية. فذلك يشدد على أهمية الخلايا المضغية كأفضل وسيلة متوفرة حالياً لانتاج الأعضاء البديلة مع ذلك ما يرافق تلك من تحفظات أخلاقية وشرعية وطبية. طريقة استعمالها كيف يتم استخلاص تلك الخلايا وكيف يتم استعمالها طبياً؟ بعد تلقيح البويضة بحيوان منوي أو نطفة في المختبر، كما يتم أحياناً في معالجة العقم، يبدأ تكوين الجنين على عدة مراحل أولها تشكيل كيسة أريمية تحتوي على خلايا جذعية مضغية تملك امكانيات عديدة لتتحول الى عدة انسجة واعضاء عند الجنين. فإذا ما استخلصت تلك الخلايا وتم نموها في المختبر فقد يجوز استعمالها لتكوين أعضاء بديلة يمكن الاستعانة بها طبياً لانتاج مختلف أنواع الأنسجة الجسدية والدماغية والأعضاء كالكبد والرئة والقلب والدماغ والأعصاب.. لتبديل الأعضاء المعطوبة أو الفاشلة في الجسم أو في حالات العقم المقاوم لأي علاج مما يعطي أملاً براقاً للملايين من الاشخاص عالمياً لاستعادة صحتهم الكاملة والتغلب على عاهاتهم الخلقية أو المكتسبة ومنحهم القدرة على الانجاب والعيش بأعضاء جديدة سليمة والشفاء، بعون الله سبحانه وتعالى من عدة امراض وراثية أو مستعصية كالسرطان وداء السكري والآفات العصبية كالشلل ومرض ألزهايمر وبتر النخاع الشوكي وغيرها. ويمكن أيضاً مستقبلياً حقن الخلايا الجذعية بعد تغيير أو تبديل جيناتها في الكيسة الأريمية لتقييم تأثير تلك الجينات على بعض الأمراض الوراثية بالنسبة إلى حدوثها أو تصحيحها عند الجنين ودراسة احتمال تغيير وظيفة بعض الخلايا الجذعية الخاصة لتغيير تكوين بعض الاعضاء الخاصة بها الى انسجة مختلفة اذا ما حقنت عند الاشخاص البالغين علاوة على ذلك فإن تطبيق تلك الاختبارات على الخلايا الجذعية قد يفتح أفقاً علمية واسعة وفي غاية الأهمية في تخطيط ورسم الخطوات الجزئية وغيرها من العوامل التي تتحكم بنمو خلايا الجسم مما سيساعد على تفهم الأسرار الكامنة حول اتجاه تلك الخلايا نحو سبيل خصوصي واكتشاف وسائل لتغيير هذا الاتجاه في معالجة بعض الأمراض وكشف تأثير بعض الجينات الموجودة في الخلايا المرضية اذا ما حقنت في الخلايا الجذعية المضغية التي تسبب بعض الأمراض المستعصية وتطبيق وسائل علاجية مبتكرة لتصحيحها ويمكن ايضاً زراعة نواة خاصة مع جينات محولة في الخلايا الجذعية لتقييم أسباب الأمراض والقضاء عليها.. أخلاقيات ما هي الاعتبارات الأخلاقية في استعمال الخلايا الجذعية؟ ان استعمال الخلايا الجذعية المستأصلة من المضغ المكونة بواسطة تلقيح البويضات بالحيوانات المنوية في مراكز معالجة العقم وفي المختبر أو زرع الجينات في نواة الخلايا للحصول على خلايا متعددة الامكانيات لانتاج مختلف الأنسجة والاعضاء يلاقي صعوبات كثيرة في بعض الدول كالولاياتالمتحدة الأميركية مثلاً في الموافقة السياسية على المباشرة به وتطبيقه وذلك لأسباب أخلاقية متعددة. وقد طرح هذا الموضوع على مجلس الشيوخ الأميركي للتصويت وألف رئيس الجمهورية الأميركي لجاناً خاصة تشمل العلماء ورجال الدين وخبراء الأخلاقيات ورجال الأعمال وشخصيات اجتماعية وسياسية لدراسته من جميع نواحيه وتقديم الاقتراحات والارشادات حوله. وقد طُرح السؤال حول امكانية وضرورة استعمال تلك الوسيلة في استفتاء شعبي في ولاية كاليفورنيا في الولاياتالمتحدة وحاز على اكثرية أصوات الناخبين اثناء الانتخابات الرئاسية التي جرت منذ فترة رغم المعارضة الشديدة التي ابداها رجال الدين وبعض العلماء والحكومة الفيدرالية كما تمت الموافقة عليه في عدة دول أوروبية منها بريطانيا وايطاليا وغيرها. ومن أبرز الاعتراضات التي ابداها المعارضون لتلك الاختبارات احتمال استعمالها لنسخ أجنة وترويج تلك الوسيلة لأغراض تجارية تفتح أبواباً واسعة للابتزاز المالي بواسطة بيع تلك الأجنة أو الأعضاء المنتوجة من الخلايا الجذعية بطريقة عشوائية. وأما الاعتراض الأساسي الذي أبداه رجال الدين وبعض العلماء والسياسيين انه لا يجوز شرعياً وأخلاقياً تكوين جنين في المختبر ومن ثم قتله لاستعمال خلاياه حتى إذا كان ذلك الجنين في الطور البدائي بالتكوين أي في مرحلة المضغة قبل غرزه في الرحم وأما باقي العلماء فحماسهم الشديد لاستعمال تلك الطريقة نابع عن قناعتهم بأنها ستفتح آفاقاً واسعة في تشخيص ومعالجة الأمراض المستعصية وزرع أعضاء سليمة وتفهم آلية الأمراض من الناحية الجزئية والتمكن بعون الله من القضاء عليها أو حتى الوقاية من حدوثها وكما شدد الدكتور «وايزمن» من جامعة ستانفورد في الولاياتالمتحدة في افتتاحيته حول الخلايا الجذعية نشرت حديثاً في مجلة «نيو إنغلند الطبية» انه من العار أن تقفل أبواب التطور العلمي الذي يمكن أن يشخص ويشفي الملايين من الأشخاص لأسباب سياسية واعتبارات غير منطقية أو علمية بناءً على مقالات أو ندوات تلفزيونية بدون أي اعتبار للآراء الطبية المجندة لاستعمال الخلايا الجذعية وقد تتم الاختبارات المراقبة المشددة واتخاذ الخطوات اللازمة للتقيد بالأخلاقيات ومنع المتاجرة ونسخ الأجنة لأغراض تجارية. الخلاصة لقد برهنت الاختبارات الحيوانية امكانية زراعة نواة خاصة من خلايا جسدية مريضة في الخلايا الجذعية المضغية لتقييم تأثير الجينات المعطوبة والمعيبة أو المصابة بالطفرة على نمو وإمراضية تلك الخلايا مما سيفتح المجال الى كشف اسرار الأمراض الوراثية والمستعصية واكتشاف علاجات مبتكرة لشفائها، بعون الله عز وجل أوباستئصال تلك الخلايا الجذعية المستأصلة من الكيسة الأريمية في المضغة وزرعها في المختبر لتنمو طبيعياً وتولد مختلف أنواع الأنسجة والاعضاء يمكن استعمالها كأعضاء بديلة للأعضاء المريضة والفاشلة في الجسم مما قد يساعد على معالجة وشفاء بإذن الله تعالى كافة الأمراض المستعصية ومساعدة العقيمين على الانجاب والمشلولين على المشي مجدداً فتفتح آفاقاً جديدة براقة نحو التقدم الطبي والابتكارات العلاجية المتطورة لكن هنالك اعتبارات مهمة في استخدام تلك الطريقة الفريدة يجب التقيد بها من الناحية الأخلاقية لتفادي استعمالها العشوائي لنسخ الأجنة والمتاجرة الطبية بالأنسجة والاعضاء على نطاق عالمي مما يجعلها مسلخاً لقتل الأجنة واستعمال خلاياهم الجذعية حتى لو كانوا لا يزالون في مرحلة بدائية من التطور أي في طور لا يملك بعد معالم الحياة كما يتفهمها بعض الأشخاص وينبذها الآخرون الذين يعتبرونها كيانات حية خلقها الله سبحانه وتعالى ولا يجوز على الإنسان أن يتلفها لأي سبب كان. فأملنا أن يتم نقاش علمي موضوعي يأخذ بعين الاعتبار جميع النواحي الشرعية والأخلاقية والقواعد المهنية لايجاد حلول منطقية وأسس رفيعة وجلية في استعمال تلك الوسيلة التشخيصية والعلاجية المبتكرة والفريدة ان شاء الله بعيداً عن الروح التجارية والمهاترات العاطفية الرخيصة.