الوجع الذي أصاب المجتمع الصحافي، والثقافي، والأدبي، والمعرفي برحيل الحبيب الجميل عبدالله عبدالرحمن جفري هو وجع حقيقي وصادق نابع عن ألم، وتفتت، وعطب اجتاح المشاعر، وحياة هذا المجتمع بخسارة إنسان كرّس حياته للفعل الثقافي، والتنويري، وآمن بالكلمة أداة تغيير، وإصلاح، وفعل مواطنة مخلصة وصادقة، ووظف الحب منطلقاً لنشر التسامح، وتعرية السلبيات، وفضح المسلكيات التي تعيق الإنسان عن تأدية دوره في بناء المجتمع، والإنسان، والحياة. آمن عبدالله بالكلمة أداة محرّكة وناشطة في عملية صياغة وعي المجتمع، وصناعة الوعي المعقلن فيه، وأنها الوسيلة المؤثرة بصدق في إخراج الناس من مفاهيم، وأوهام، ومسلكيات التسطح، والجهل، والتخلف، والاتكالية، والعجز فمارس تعاطيها كإيمان، وحرص على نقائها، وتوهجها، ومكانتها كي لا تنحدر وتهان وتذل، حتى وهو في ظروف خاصة لم ينقطع عن الكتابة، وتأصيل الكلمة، حيث كان يكتب تحت اسم "وجدي عبدالله"، و"كاتب عربي كبير" والمسمى أعطته له صحيفة عكاظ.. وعبدالله كان يحرص أن يكون متعالياً على الصغائر فلم يدخل في خصومات، أو إشكاليات، أو منافسات حاقدة مع أحد منذ أن عمل في مكتب البلاد بمكة المكرمة حين كان مدير المكتب المرحوم الأديب محمد عمر توفيق، وحتى كل المناصب الصحفية القيادية التي تولاها في أكبر الصحف. عاش عبدالله الحبيب عفيف القلب، واليد، واللسان. "لم يحنِ جبهته، لغير الله.، إذ حنيت لأعراض الحياة جباهُ.." عاش عفيف القلب لم يحقد، ولم يغضب، ولم يستغب، ولم يتعرض لأحد في الوسط الصحافي، أو الوسط الاجتماعي العام بإساءة. وعاش عفيف اليد، لم يتوسل، أو يتهافت على المادة، لم يبع قلمه، أو يوظف مساحته الواسعة من الانتشار في الوطن العربي لمصلحة مادية، أو تكسّب بالكلمة، أو وظف هذا الحضور الطاغي من أجل منصب، أو ثروة، بل عاش حياته كفافاً، وتعففاً. وعاش عبدالله عفيف اللسان لم يحاول النيل من أحد، بل كان الغفران، والتسامح، والنسيان، والحب أداته أمام كل من يحاول النيل منه، أو من سيرته الإبداعية، والثقافية، لهذا لا أعرف خصماً لعبدالله، ولا أتذكر بل أجزم بأنه لم يتناول أحداً بمنقصة طوال لقاءاتي وأحاديثي معه.. عبدالله عبدالرحمن جفري.. كان يعرف جيداً أن أدواته هي معرفته الشمولية، وثقافته الواسعة، وقدرته على فعل التنوير، ونثر الحب، ولهذا كان واثقاً أن الانتصار في النهاية لهذه الأدوات، أما من هم غيابٌ عن هذه الأدوات وامتلاكها فإنهم يلجأون إلى الشر، والإيقاع بالناس والآخرين. وهذا منتهى الانحطاط. ياحبيبي عبدالله. سنحمل راية الحب في كل وقت. وسنشفق على الحاقدين، والحاسدين لأنهم مرضى، ونساعدعم على الشفاء بالكلمة.