كنا حتى عهد قريب نسمع كثيراً بمصطلحات الضيافة: (اقلط - تفضل - القهوة معنا) حتى اصبنا من تكرار هذه الكلمات بالملل وكان الضيف وقتها يتمنع ويتدلع بكلمات لا يقل تداولها عن سابقها (مشغول - ما يجي لي - الوقت ما يسمح). اما اليوم وفي خضم غلاء الأسعار اصبحت كل الكلمات السابقة في اعداد المفقودين فالمضيف حكم عقله ووزن لسانه ولم يتجرأ على (المزح) بها إلا إذا كان عاداً العدة ومتجشم الزهاب مطبقاً قول العامة (ما يحج إلا قوي) اما الضيف فقد راجع حساباته وغير من كلماته فأحل محلها: (تم - عساك قوي - ما يخالف) تفاعلاً مع معطيات العصر. قال لي احد الاصدقاء: اصبحت الولائم تمثل كاهلاً عليه بعد موجة الغلاء الأخيرة فالذبيحة ب 1000ريال وطبخها ب 250ريالاً والفواكه والمشروبات ب 250ريالاً والاستراحة ب 500ريال، وإذا انتهت المناسبة أخذ صاحبنا وقتاً طويلاً يعيد فيه تصفيف حساباته المالية بسبب الهزة العنيفة التي تعرضت لها ميزانيته. اما غير صديقي فهو لا يكترث بالسلف او الدين من اجل تبييض وجهه امام جماعته واذا انتهت الوليمة بدأت تبعيات (الكرم بالقوة) فاستدعاءات (الحقوق من الشرطة) تلاحقه اينما حل وارتحل واوراق المحاكم تدس له من تحت الباب ولم تنفعه كلمات الإطراء والمديح بعد الوليمة. ومع قرب مناسبات العيد فإني هنا أتساءل لماذا نشق على أنفسنا فيما لا طاقة لنا به وقد اعذرنا الله في ذلك فلماذا لا نعذر انفسنا ويعذرنا الناس؟ ثم لماذا لا نتوجه الى طرق اخرى في مسائل الكرم الحاتمي فمثلاً عندما يتزوج ابن الجماعة لماذا لا نعطيه مبلغ ( 1000ريال) كرامة له في زواجه ونكون في ذلك قد ساهمنا في التخفيف من حدة ديونه وساعدناه على التبحبح بها وسلمنا من أتعاب تجهيز الوليمة وقللنا من مصروف المناسبة وأرحنا رؤوسنا من الدخول في جدالات مع زوجاتنا بسبب هذه العزيمة التي اجتاحت منزلنا.