انتشرت في عدد من المواقع العنكبوتية، صورعديدة لأكوام من الأرز واللحم متجاورة وملقاة في أرض صحراوية. وتَنْسِب بعض المواقع المكان في هذه الصور إلى (أم رقيبة) حيث يقام مهرجان مزايين الإبل السنوي، ويتجادل مرتادو تلك المنتديات في إثبات هذه النسبة أو نفيها؛ لكن الواضح أن أكثر الصور تحيل على مكان واحد، وإن تبعها صورأخرى قليلة في أماكن أخرى وفي اثنتين منها شاحنة نفايات معنونة بأمانة مدينة حائل. الصور تَعْرِض مساحة واسعة من أرض قَفْرَاء، وأكوام الأرز واللحم والعظام الملقاة بها متجاورة ومتناثرة على امتداد النظر، وقد تستبين في بعضها رؤوس خراف وعظام أفخاذها وصدورها، وقد تبدو هذه العظام لقعدان وحشو. كم رأساً في هذه الأكوام؟ مئة، مئتان، خمسمائة... أكثر، أقل؟ كم فماً يمكنها أن تطعمه؟ ماذا تفضِّل هذه الأفواه منها؟! الخراف أم القعدان؟ الأرز الأصفر أم الأحمر؟! لماذا لم يكن ما أُعِد من هذا الطعام مساوياً لحاجة الآكلين له؟! الاهتمام بهذه الصور التي غدت حدثاً وأخذ انتشارها وتناقلها في عشرات المواقع طابع الأحداث غير الأخلاقية، هو مادة للقراءة والتأمل يتصل ولا ينفصل عن الصور ذاتها فيما تثيره من المعاني والمشاعر. فالصدمة الفاجعة هي مُشْتَرك مئات التعليقات التي ابتعثتها الصور، وهي صدمة تقرن بين دلالة الصور لديها على بطرالنعمة والسَّفه وبين التداعي إلى المحتاجين وذوي الفاقة و»من يتمنَّى ولو لحم حمار»! وبالطبع فإن الدلالة المقصودة عند من صنع هذه الولائم لا يتجه إلى غير الكرم، تلك الشيمة الأخلاقية الماجدة التي تحتفي الثقافات كلها بها، بوصفها قيمة تسبغ على من يتحلَّى بها المديح وعلى من يفتقر إليها الهجاء. وتبدو ثقافتنا العربية عند بنيها أكثر حفاوة بها وأدل على تمجيدها؛ لأن البيئة العربية التي تضرب تلك الثقافة بجذورها فيها، سواء بحسابات مكانها الصحراوي أم مجتمعها الرعوي غالباً، جعلت إمكانات الجود أقل بكثير من الحاجة، ولأنها صنعت للشحاذة منطقاً سائداً هو ملزوم مديحها للكرم بوصفه اختياراً لا الحق بوصفه إلزاماً. لكن الكرم، في دلالة هذه الصور، فقد دلالته المدحية الناتجة عن العلاقة بين جود الكريم وحاجة العافين أي طالبي الكرم. فالكرم –هنا- علاقة بين إسراف يتوخى الدلالة على الثراء وطول اليد وضيوف ليسوا بحاجة إلى الطعام (هل نتصور الآن ضيفاً فقيراً؟!) وعلى قدر ثراء الضيف وسؤدده تكثر الذبائح، وذلك في علاقة متصلة بالرغبة في إثبات غنى المضيف وثرائه. إن السؤال، أمام ما أحدثته هذه الصور (http://www.mshaqra.com/vb/showthread.php?p=2031047) من صدمة ليس سؤالاً أخلاقياً أو دينياً فقط، إنه سؤال حقوقي: ألا يستحق من اقترف هذه الجريمة العقاب؟ أي جهة يمكن أن تقاضيه؟ هل هي جهاز الحسبة أم هيئة الفساد أم صندوق مكافحة الفقر... أم غيرها؟!