الذكاء الاصطناعي هو مجال متطور، ويمثل تحديًا وفرصة في الوقت نفسه، ويشهد حاليًا توسعًا مذهلًا، خصوصًا بعد أن أصبح يُحاكي بتقنياته الذكية العديد من الوظائف البشرية بدقة وسرعة عالية، وهو ما أزال الكثير من العقبات التي كانت تعيق تبني هذه التقنية، ودفع العديد من الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة إلى تبني تقنياته المتقدمة، لتقديم خدمات مبتكرة، وتحسين عملياتها وخدماتها، ويتطور استخدامه يومًا بعد يوم. وقد شرع رواد القطاع المغامرون في توظيف الذكاء الاصطناعي بحصد ثماره مقارنة بأقرانهم الذين ترددوا في أخذ زمام المبادرة، حيث تميزت الجهات المبادرة بتوظيف خدماته بصورة أفضل عن غيرها، وهو ما أظهرته دراسة استقصائية أجرتها منصة الذكاء الاصطناعي الرائدة لدعم تحوّل قطاع الأعمال" "سيرفس ناو"، بالتعاون مع الشركة الاستشارية الرائدة في العالم في مجال التنبؤ الاقتصادي "أوكسفورد إكونوميكس". وشملت الدراسة استطلاع رأي 4470 مديرًا تنفيذيًا يترأسون المؤسسات التي برزت في استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، حيث تمخض عن هذه الدراسة مؤشر سيرفس ناو لقياس نضج الذكاء الاصطناعي، عبر خمس ركائز رئيسة. أولى هذه الركائز هي إستراتيجية الذكاء الاصطناعي والقيادة، فكبار المسؤولين بحاجة إلى قيادة التنفيذ وتحمل مسؤولية دمج الذكاء الاصطناعي في العمل بطرق تحقق الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة، فالتحول الحقيقي لا يمكن أن يقوده سوى كبار المسؤولين في المؤسسة، وبحسب نتائج الدراسة فإن من بين المؤسسات التي صنفها المؤشر بقوة قيادتها، قال 67% من المستجيبين إنهم يتمتعون "بالوعي الكافي حول أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي" مقارنة بنسبة 33% من الأقران الذين لم يجنوا فوائده. أما الركيزة الثانية فتتمثل في تكامل سير العمل، ويميل رواد القطاع إلى أن يكونوا أكثر انفتاحًا لجعل تقنية الذكاء الاصطناعي تقوم بتغيير طريقة سير العمل في مؤسساتهم، فتقنيات الذكاء الاصطناعي التي لا تعمل بكامل طاقتها وإمكاناتها تُعد هدرًا للاستثمار، وتزدهر الابتكارات والنمو عندما تسترشد الشركات بخطوات رواد القطاع الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتنظيف البيانات، وإدارتها، وتحسين تكاملها، وتصورها، وتحويلها، وهي ممارسة تتبناها 76% من هذه المؤسسات الرائدة، وبالمقابل، تشكل المؤسسات المترددة في توظيف الذكاء الاصطناعي لإنجاز هذه المهام نسبة 42% فقط. وحين يتعلق الأمر بإدارة أداء المؤسسة، يستخدم 68% من رواد القطاع تقنيات الذكاء الاصطناعي، في حين تُشكل بقية المؤسسات التي أقدمت على تبنيها نسبة 36% فقط وهنا يبرز دور أصحاب المواهب والقوى العاملة، الذين يمثلون الركيزة الثالثة، وقامت بعض الشركات بدول الخليج الذي يعد وجود خبراء الذكاء الاصطناعي فيها نادرًا نوعًا ما، بتبني بهج مزدوج يجمع بين استقطاب المواهب العالمية والتدريب الداخلي لموظفيها، حيث تشير نتائج الدراسة إلى أن 76% من رواد القطاع يعتزمون توظيف خبراء الذكاء الاصطناعي، مقارنة بنسبة 49% من المستجيبين الآخرين، كما أعطى 72% من رواد القطاع الأولوية لتوظيف علماء البيانات، وأنشأت 79% مؤسسة رائدة برامج لإعادة تأهيل المهارات. وتتمثل الركيزة الرابعة في حوكمة الذكاء الاصطناعي، حيث تلعب الحوكمة دورًا فعالًا في تخفيف مخاطر الذكاء الاصطناعي، حيث تساعد على منع الذكاء الاصطناعي من الوصول إلى البيانات الحساسة، وإعطائه صلاحية الوصول فقط للبيانات التي يتيحها المستخدم، وبالتالي حماية عمليات المؤسسة من المخاطر المحتملة والعواقب الوخيمة، وقد حرض 59% من المستطلع آرؤاهم على مواكبة التطور المستمر لحوكمة البيانات من خلال تنفيذ سياسات خاصة بالذكاء الاصطناعي لحماية البيانات الحساسة والحفاظ على الامتثال التنظيمي، مقارنة بنسبة 42% من بقية المستجيبين. أما الركيزة الأخيرة، فهي تحقيق القيمة في العمليات، فالشركات والمؤسسات التي تتمتع بتصنيفات نضج عالية في الذكاء الاصطناعي ستظل تركز على تحقيق القيمة، وهو ما كشفته نتائج الدراسة، فعندما تم توجيه سؤال عن تأثير استثمارات الذكاء الاصطناعي على نتائج الأعمال، قال 84% من رواد القطاع إنهم شهدوا تحسنًا في الكفاءة والإنتاجية، مقارنة بنسبة 65% من أقرانهم، كما أفاد 83% بنمو ملحوظ في إيرادات المؤسسة، مقارنة بنسبة 60% من بقية المستجيبين. ختامًا، فإنه على الرغم من أن التحول في الذكاء الاصطناعي ما يزال في بداياته، فإننا نستطيع القول إن رواد القطاع يعملون على تحقيق قيمة تجارية كبيرة باستخدام تقنياته، ومن خلال توجيه القيادة والنهج الاستباقي، يتخذون قرارات إستراتيجية، ويشكلون فرقًا مبدعة، ويمتثلون للمعايير الأخلاقية، ويحققون نجاحات تُبرز دور الذكاء الاصطناعي في سد الفجوات بين الأشخاص والبيانات، وأتمتة المهام لتعزيز الابتكار وتمكين الموظفين، مع حوكمة سليمة. سيف مشّاط- نائب رئيس المنطقة ل "سيرفس ناو" بالسعودية