يعايش الإنسان في حياته أحداثاً كثيرة تتطلب التفسير والتحليل سواء على المستوى الشخصي أو العام. تمر السنوات وتنطوي هذه الأحداث وتتغير وربما تتطور بشكل مخيف إلى مآلات غريبة بينما يموت شاهدو بدايات وتفاصيل القصة، فيتولى المؤرخون تدوين التاريخ للأجيال القادمة وسرد ما حدث برؤيتهم الشخصية، ولربما قرأت عن حادثة معينة بألف لغة ورواية وألف تفسير، كل بحسب توجه كاتبه وخلفيته الدينية والثقافية والتراثية، ووحدها الحقيقة (الكاملة) تظل غائبة. كنتُ أقرأ ل عبدالوهاب المسيري رحمه الله في كتابه "رحلتي الفكرية".. والكتاب سيرة ذاتية للمؤلف يرصد التحولات الفكرية التي عاشها وعاصرها. يقول في مقدمة الكتاب: "وجدت أنه من المفيد أن أضع بين أيدي القراء، وبخاصة الشباب، بعض خبراتي الفكرية والمنهجية" ثم قال: "ولتكن هذه السيرة - يعني كتابه - دعوة للمفكرين العرب إلى أن يكتبوا سيرهم غير الذاتية وغير الموضوعية التي تحتوي على تلخيص لأفكارهم وبذورها وكيف تشكلها ليضعوا خبرتهم تحت تصرف الأجيال الجديدة، ومما يجعل المسألة أكثر إلحاحاً تعاظم الفجوة بين الأجيال مما يؤدي إلى عدم توارث الحكمة والمعرفة، وأخشى ما أخشاه أن تبدأ الأجيال القادمة من الصفر". وقد صدق فالأحداث الآنية لم تنفصل يوماً عن التاريخ والمتتبع لتاريخ الكون يدرك أن حاضر اليوم ناتج الأمس وأن مستقبل الغد هو ناتج الماضي والحاضر، وحين يموت المعاصرون لأهم الأحداث وتفلس البلدان العربية - كما حالنا اليوم - من مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية التي تدوّن التاريخ وترصده، يصبح من الواضح أننا سنكرر أخطاء سابقينا دون أن نتنبه؛ لأننا نجهلها!. هذه دعوة لقراءة سيرة المسيري ودعوة لكل من له تجربة أن يدوّنها مهما بدت له مهملة أو غير مكتملة، فلربما أنجب الإنسان فكرة عاشت بعده..