سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قال أن الخوف من تجاهل أسماء وإيراد أخرى ناجم عن كوننا مجتمع "علاقات عامة" .. الخضر : هناك الكثير الذي لم أقله بعد، والكتاب مجرد مقدمة لما يجب أن يُقال مستقبلاً
اعتبر الباحث السعودي عبد العزيز الخضر في حوار أجراه معه " الاسلام اليوم " - الذي دفع أخيراً للساحة بمؤلف أثار الكثير من الجدل الساخن- أن جوهر الأزمات في المملكة يكمن في صعوبة تحديدها وحصرها وتشخيصها، منتقداً "الشفاهية" التي تسم المجتمع المحلي، وقال: إن الوعي السعودي العام يعيش حالة انقطاع في كل مرحلة عن التي قبلها، ليس على مستوى الفرد العادي فقط، وإنما حتى على مستوى النخب الفكرية والمسؤولين. وأقر بأن تلك الشفاهية كانت تحدّياً بالنسبة لعمله "الفكري"، وأن محاولة سبر مجتمع محافظ كالسعودية كان أمراً صعباً وعويصاً "ولهذا كان جزء من مهمة الكتاب محاولة تدوين ورصد انطباعات المجتمع بصورة وصفية، ونقل تعبيرات سائدة في كل مرحلة، وموقف المجتمع من الدولة والتنمية والصراعات التي تحدث، وتسجيل رأيه من خلال المعايشة". وكشف الخضر أن فكرة تأليفه لكتاب (السعودية .. سيرة دولة ومجتمع.. قراءة في تجربة ثلث قرن من التحوّلات الفكرية والسياسية والتنموية)، بدأت منذ وقت مبكر عندما كان طالباً في الجامعة، وأوضح أنه ظل دائماً طيلة تلك الفترات يستشعر نقصاً في تفاصيل كثير من التحوّلات والأحداث المهمة التي مرّت بها السعودية، وهو ما دفعه إلى الاعتماد على مصادر مختلفة ليخرج كتابه الأخير بمنهج اعتبر غير تقليدي؛ جمع بين مصادر الإنترنت، والأحاديث الصحفية، وشيء من الآراء والانطباعات الخاصة. وأعطى الباحث تفصيلات حول المناخ والصعوبات التي صاحبت تأليف الكتاب، وذكر أن أهم الصعوبات التي واجهها تمثّلت في أن "الصحافة المحلية كانت شبه مغيبة عن تطوّرات مهمة داخل المجتمع في عدة مراحل، لشدّة الرقابة عليها؛ فكثير من الأحداث والتطورات الاجتماعية لم تدخل الصحافة محلياً، وبدت كأنها غير موجودة، ولم تُدوّن في أي مرجع"!! بداية، كيف كانت قصة هذا الكتاب؟ كيف بدأت في كتابته؟ ومتى انتهيت؟ وكم استغرق من الزمن والصعوبات التي وقفت في طريقك؟ لا أستطيع تحديد فترة زمنية كبداية للكتاب؛ فالفكرة الأولية كانت تتشكل بتدرّج زمني منذ بدايات المرحلة الجامعية، ومع مرور الوقت كان موضوع الكتاب يفرض نفسه في أكثر من مرحلة. تنوّع الاطلاع على جهود ونشاط أكثر من اتجاه فكري في المجتمع، ومع التكوين الثقافي والمتابعة الإعلامية التي كانت جزءاً من اهتماماتي اليومية بدأت أشعر حينها بوجود نقص لافت في الحالة السعودية. في تلك المرحلة كنت أحاول فهم ماذا حدث في مجتمعنا في أزمنة لم نعايشها، في الخمسينيات والستينيات، لهذا كنت أبحث عن أي مصادر يمكن أن ترفع مستوى الوعي بتلك المرحلة، وعلى الرغم من محاولتي المبكرة في هذا الشأن إلاّ أني شعرت أننا نفقد الكثير من تفاصيل ذلك الزمن وتحوّلاته، مع أني كنت أعود لقراءة بعض أرشيف تلك المرحلة وإنتاجها لسنوات طويلة كمحاولة لإيجاد تصوّر موضوعي عنها، إلاّ أن هذه التجربة المبكرة، أشعرتني أن الوعي السعودي العام يعيش حالة انقطاع في كل مرحلة عن التي قبلها، ليس على مستوى الفرد العادي فقط، وإنما حتى على مستوى النخب الفكرية والمسؤولين.. وقد كنت حينها ألوم المثقف المحلي الذي عاصر تلك المرحلة في تجاهله تدوين الكثير من تفاصيل ذلك الزمن، وربطه بالمرحلة التي نعيشها في مرحلة الثمانينيات وما بعدها. وقد أشرت في الكتاب إلى أسباب هذا الخلل إعلامياً وحكومياً وثقافياً. كان الاطلاع على تجارب أخرى إعلامية ومشاريع كتاب عرب وأجانب ودورها في التعرف بما يحدث في مجتمعاتهم. لهذا بدأت أكتشف تدريجياً بعض الإشكاليات لدينا من خلال مقارنة ذلك بما يحدث في دول أخرى، والفوارق بيننا وبينهم، ولماذا يبدو خطاب الآخر وقضاياه الثقافية والإعلامية أكثر جاذبية في طريقة تناول الأحداث السياسية والشأن الاجتماعي والفكري، وأكثر فائدة في نمو الوعي بقضايا العصر. لقد تشكّلت رؤية الخلل المحلي في هذا الجانب التحليلي لتطورات المجتمع وقضاياه؛ لأن الصحافة منذ السبعينيات تفقد الملفات الصحفية ذات العمق الفكري في تناول مشكلات الدولة والمجتمع لصالح أعمال إعلامية تطبخ سريعاً دون رؤية فكرية وسياسية واجتماعية، ولهذا لم يحدث تراكم في الوعي للتعامل مع قضايانا، فأصبح يتكرر الحديث عنها بخطاب متشابه مع اختلافات محدودة. الإشكال الرئيس كان في كيفية جمع مادة توثيقية أو تسجيل ملاحظات؛ فهذا لا يحدث دون أن تمتلك رؤية وقدرة على تفسير التطورات، وتتزود بوعي فكري وسياسي واجتماعي، وتصور متعمق بالتفاصيل للخطاب الديني والثقافي؛ حتى يمكن ملامسة الإشكاليات الحقيقية في مجتمعنا، وما هو الشيء الذي يستحق تدوينه والإشارة إليه وتهميش ما عداه، خلال أكثر من عقدين في معايشة الأحداث والتطورات. الكتابة النهائية للعمل كانت آخر المراحل وأهمها لمحاولة حصر مادة ضخمة وأزمنة بعيدة تحت عنوان واحد، والمنهج المناسب الذي يجب أن أعتمده لهذه الحالة السعودية ومعطياتها، والصياغة النهائية لم تتجاوز ثلاثة أعوام لتقديمها للطبع. لقد كانت أهم الصعوبات التي واجهتها في أن الصحافة المحلية كانت شبه مغيبة عن تطورات مهمة داخل المجتمع في عدة مراحل، لشدة الرقابة عليها، فكثير من الأحداث والتطورات الاجتماعية لم تدخل الصحافة محلياً وبدأت كأنها غير موجودة، ولم تدون في أي مرجع، وقد كان (الكاسيت) في بعض المراحل أكثر فعالية في تناول بعض الجوانب مع قدر كبير من العشوائية في التناول. كانت الفترة ما بين منتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينات مرحلة شفاهية في بعض التطورات الحساسة. الصعوبة الكبرى بعد أن تجمع المادة التي تستحق التدوين تبدو في كيفية عرضها، واختصار الكثير منها حيث لا يتحمل كتاب واحد تدوين كل شيء، وقد بدأ الكتاب مضغوطاً في بعض فصوله، لأنه اختصر الكثير منه. لماذا تحديداً قصرت كتابك (السعودية.. سيرة دولة ومجتمع) ليتحدث عن فترة ثلث قرن فقط على الرغم من أن الدولة وجدت في تاريخ أقدم من هذا؟ لقد أشرت لمسوّغات هذا الاختيار في المدخل؛ لأنها الفترة التي عايشت أغلب تطوراتها، مع اهتمام يومي في متابعة المتغيرات فيها، والاطلاع على ما يُنشر وخطاب مختلف التيارات. سبر مجتمع كان إلى وقت قريب يُعرف بأنه منغلق على نفسه، ألم يكن عملاً شاقاً بالنسبة إليك؟ بالتأكيد هي مهمة صعبة، ولهذا كان جزء من مهمة الكتاب محاولة تدوين ورصد انطباعات المجتمع بصورة وصفية ونقل تعبيرات سائدة في كل مرحلة، وموقف المجتمع من الدولة والتنمية والصراعات التي تحدث، وتسجيل رأيه من خلال المعايشة، وهذا الرصد له مميزات يختلف عن الاستطلاعات الرسمية والصحفية والبحثية التي تُصاغ بنوع من المجاملة والتصنع. ما الذي تريد أن تقوله في هذا المؤلف تحديداً، والذي تتمنى أن يلتفت إليه القرّاء والدارسون للكتاب؟ هناك العديد من الأفكار المتفرقة داخل الفصول الكتاب، وكان من الممكن تلخيصها في خاتمة الكتاب، أو في نهاية كل فصل، لكن طبيعة الكتاب الذي فيه بعض الروح الصحفية ساعدت على عدم وضع الخاتمة.. وترك القارئ هو الذي يكتشفها، ويطلع عليها في سياقها داخل كل فصل؛ لأن بعضها ستبدو أكثر حساسية عندما تؤخذ من السياق الذي جاءت فيه. الكتاب محاولة لتقديم طريقة مختلفة في تناول الشأن المحلي وفق ما تتطلبه الحالة السعودية، وتوظيف مجموعة من الآليات البحثية والأساليب الصحفية في تشخيص المشهد المحلي وتطوراته، من خلال وصف تاريخي لنمو الأفكار والأحداث والتغيرات الاجتماعية والسياسية والدينية، لتساعد المهتمين من مثقفين ومسؤولين، وحتى القارئ من الخارج، على تصوّر الحالة السعودية بقدر من الموضوعية، بعيداً عن الصراعات والمصالح الاتقائية المؤقتة، وهو يجمع بين المعلومة والرأي، ولهذا كان العنوان الفرعي "قراءة في ثلث قرن.." وليست مجرد سرد تقليدي. والرأي هنا ليس انطباعياً سريعاً بقدر ما أنه تشكّل وفق تراكم زمني، من خلال الخبرة في الموضوعات التي تناولها الكتاب. تلخيص الرسالة التي يريد أن يقولها الكتاب سيجعل السجال حولها مختزلاً، ويفقد بعدها التاريخي، ولهذا فضلت أن تكون مؤجلة إلى وقت آخر. الكتاب بوجه عام محاولة لإضافة أبعاد جديدة في الخطاب الفكري المحلي، وعرض منهج غير معتاد في المشهد السعودي، واستحضار تفاصيل كبيرة في التحوّلات التاريخية ودورها في صناعة رأي أكثر موضوعية، ومواجهة محاولات اختزال قضايانا بأفكار نمطية تحت تأثير أجندة محددة وصراعات مؤقتة.. دون وعي تاريخي بتطوراتنا. فالمشكلة ستظل دائماً في التفاصيل وليس في الشعارات العامة عند كل اتجاه، ولهذا حدثت الصدمة والارتباك عند البعض، وهو يرى بعض التفاصيل مدونة أمام القارئ والجيل الجديد الذي سيعيد قراءة الماضي بصورة أخرى، وأن الأرشفة التقليدية دون وعي وتحليل لا تكفي، فليست المسألة تجميع عشوائي لمعلومات تاريخية دون رؤية محددة ورسالة فكرية؛ فالخبرة عامل أساس في تناول مثل هذه القضايا. التحدّيات التي يواجهها مجتمعنا نحو العصرنة والتحديث كبيرة؛ فالقضية ليست هي إلقاء اللوم على تيار محدد أو أفراد، بقدر حاجتنا إلى استحضار دور مختلف الجهات والتيارات والشخصيات دون تهم وشتائم، وإنما من خلال قراءة تجربة كل اتجاه وظروفه التاريخية لتطوير وعينا في هذه المرحلة، ولهذا تم عرض مسوّغات وحجج كل اتجاه في الدفاع عن نفسه، ومناقشتها بالكامل، وقد استغرب البعض من هذه الطريقة، وكأنه جهد لتسويغ أخطاء الآخرين، والواقع أنه ضرورة لمساعدة الأجيال الجديدة، وتسليحهم بمختلف الحجج التي تطرح، وليس من أجل تلميع اتجاه ضد آخر. يريد الكتاب أن يشير إلى خطأ معالجة قضايانا بفصل مجال دون آخر؛ فمشكلات المجتمع تفصل عن أزمة الثقافة أو الإشكاليات الدينية والسياسية والتنموية، ولهذا كانت الفكرة الأساسية في هذا العمل هو دمج مختلف المؤثرات الرئيسة في المجتمع والدولة تحت غلاف واحد. هو محاولة محدودة لتقديم نموذج لقراءة مختلفة عن السائد، تحاول الجمع بين قدر من الشفافية والمصارحة بحقيقة بعض مشكلاتنا، مع احترام مختلف الأطراف، ودون هجوم شتائمي أو البحث عن فضائح، وأن نطوّر رؤيتنا للأزمات؛ بألاّ يتم عزلها عن إطارها الحقيقي وسياقها الزمني. فخلال المعارك والشتائم المتبادلة بين التيارات، أخذ البعض يتلاعب بالحقائق التاريخية وتوظيفها في تكتيك مؤقت، ولهذا كان تناول الكثير من القضايا مربكاً لتيارات متنوعة؛ لأنه قد يكشف طريقة التلاعب بالتطورات الاجتماعية ووصفها بطريقة غير دقيقة. اعترفت في ثنايا المقدمة وأيضاً في متن الكتاب بصعوبة أن يُقرؤ المجتمع السعودي من الخارج، وأن دارس هذا المجتمع لا بد له كي ينجز عملاً فكرياً ذا بال أن يكون معايشاً له، لماذا اتصف المجتمع السعودي بهذه الميزة تحديداً دون غيره من المجتمعات؛ إذ هناك العديد من الأكاديميين الذين قدّموا دراسات ناضجة للغاية لبلدان لم يعايشوها عن قرب؟ أشرت إلى هذه المسألة؛ لأن الكثير من دول العالم ساعدت ظروف معرفية في تراكم وتدوين تاريخي للتطور الاجتماعي والفكري والديني عبر دراسات وإنتاج ضخم خلال أكثر من قرن، وأن الباحث الزائر لمجتمعنا قد لا يتمكن من خلق صورة موضوعية عن حقيقة المجتمع السعودي، لأسباب تم الإشارة إلى بعضها في الكتاب. لماذا لم تلجأ إلى خيار أن يكون الكتاب موسوعياً يعمل عليه العديد من الشخصيات ذوي الطبيعة البحثية والأكاديمية؟ هناك عوائق كثيرة لمثل هذه الفكرة، وهي تبدو جذابة وشعاراتية تناسب مداخلة في ندوة أو مؤتمر، لكن الواقع يقول شيئاً آخر. إن تكوين فريق متجانس يحمل رؤية وفكرة واضحة بالدرجة نفسها، وقناعة بضرورة قدر من الجرأة والشفافية وتخفيف الحسابات المبالغ فيها، هو جزء من أمراض النخب الأكاديمية والثقافية والإعلامية. ثم إن إقناع الآخرين بجدوى وأهمية مثل هذه الأعمال عبر لغة إنشائية ليس لها قيمة، ما لم يكن هناك نموذج يتم عمله، وبعدها يمكن الحديث عن أهمية ذلك العمل، لهذا كان يجب عليّ أن أنفذ بعض هذه الفكرة أولاً قبل أن يتم التعاون مع الآخرين. ثم إن لدينا الكثير من المراكز البحثية والجامعات والمؤسسات الإعلامية الضخمة، لكن عندما حدثت الكثير من المشكلات التي في المجتمع لم نجد لهذه المراكز دور في تشخيص هذه الأزمات، وما وُجد فقد أشرت إلى كثير من عيوبه في الكتاب، وأنها محاطة بتعقيدات بيروقراطية يدرك أسبابها المتابع لهذا الإنتاج. كتابك هو الأول من نوعه في هذا المضمار.. هل يشعرك هذا بالرضا أم بالإشفاق على مجتمع يفتقد التوثيق ويعتمد على المشافهة؟ الكتاب مجرد محاولة محدودة لتغطية جانب في الحالة السعودية، خاصة في مراحل كانت تبدو شفاهية أكثر قبل مرحلة الإنترنت، والآن نحن في مرحلة ذات تحدٍّ من نوع آخر؛ فقد تضخمت الكتابة وعناصر التأثير وصعوبة السيطرة عليها ووضعها في إطار مفهوم، وما تحتاجه من رؤية نقدية وأدوات من نوع آخر، وقد حاولت أيضاً تغطية جزء من هذه المرحلة في الكتاب. والتحدي الآن لا يختلف عن مرحلة شفاهية تبدو اختفت بعض معالمها؛ فوجود ملايين النصوص كعدم وجودها إذا لم يكن هناك رؤية في تحديد ما يُدوّن ويرصد ويدرس ليكون خاضعاً للتحليل والفهم. يُعاب على الكتاب أنه لم يتطرق إلى الطوائف العقدية في المجتمع السعودي مثل الشيعة والصوفية والإسماعيلية وغيرهم، في سياق تناولك عن مكونات المشهد الديني والمذهبي في المملكة.. ما رأيك؟ أشرت في الكتاب في غير موضع بأن الملف الشيعي ليس من المناسب تناوله في الكتاب لضخامة ما يجب قوله من تفاصيل وآراء، وأيضاً الاتجاهات الأخرى، فعرض هذه المجالات بحاجة إلى قدر من التوسّع وشرح ظروفها وإشكالياتها في المجتمع والدولة، والكتاب اهتمّ في المكون الرئيس للعقل الديني المحلي، وما وُجد فعلاً في التعليم الرسمي والمساجد، وجميع مؤسسات الدولة، والإعلام والتأليف ودوره في تشكيل ذهنية المجتمع الدينية. وردت مجموعة من الأسماء المؤثرة في الفكر السعودي والمجتمع، لكن هناك من يقول إنك اعتمدت على المشهورين وحسب، بينما هناك فاعلون آخرون كانوا مغيبين عن الإعلام، ثم غيبتهم أنت أيضاً في الكتاب!! هذا الرأي ليس صحيحاً على إطلاقه، فقد أبرزت عدداً من الأسماء القديمة التي كادت تُنسى، ولم يعرف أحد عن دورها في تشكيل بعض الأفكار، وقد فوجئ البعض ومنهم مثقفون بها، كإضافة جديدة لم يتوقعها القارئ، ومع ذلك تعمدت استحضار أهم الشخصيات البارزة والشهيرة في كل مجال ومناقشة مشروعها الفكري، وتقديم قراءة نقدية لأهم أدوار هذه النخب، والمعروفة لدى الكثيرين، وتقييم خطابها الفكري والديني، وأدائها خلال عدة مراحل، وفق رؤية خاصة تشكلت عبر متابعات قديمة، والشخصيات الشهيرة توفّر عليك الإغراق في التعريف بها، وإنما الدخول لمنجزها ودورها مباشرة وتقييمه، والقارئ سيكون في هذه اللحظة معايشاً لها ولديه تصورات نمطية عنها. وهذا جزء من حيوية الكتاب. وقد تعمدت هذا لمواجهة بعض الرؤى النمطية حول بعض الشخصيات، فالحديث عن الأفكار مجردة دون نماذج حية سيفقد أي طرح قيمته ومصداقيته، وكنت مضطراً لهذه العينات من الأمثلة، وتقديم بروفايلات لها، ليس عرضاً لسيرتها الذاتية بتفاصيلها التي يعرفها الكثيرون، بقدر ما هو رؤية لدورها في صناعة أهم سمات الحالة السعودية. وهذا لا يعني عدم وجود أسماء أخرى مهمة بل يوجد المئات منها في كل مجال، وأخذ عينة وأمثلة يجب ألاّ يفهم منه تهميش الآخرين، بقدر ما هو ضرورة عملية في التأليف والكتابة. ألم تخش أن يدخلك ذكرك لأسماء وتجاهلك لأخرى في جملة من الإشكاليات الشخصية في مجتمع كالسعودية؟ كنت أتوقع بعض الإشكاليات وسوء الفهم عندما تعرض الكثير من الشخصيات الهامة في المجتمع في بيئة سادت فيها ذهنية العلاقات العامة وأصبحت جزءاً من تكوينه الحديث، ودورها في تراجع الشفافية والنقد، وقد فوجئ البعض من حجم الأسماء الموجودة في الكتاب، لكن بمرور الوقت وتدرب ذهنية القارئ على مثل هذه القراءات التي لا تجعل الشخصيات تبدو محصنة ضد التقييم المعتدل والعقلاني. وفي الوقت الذي كنت أتوقع ردة فعل بعض الأسماء التي وجدت، فوجئت بردة فعل من الأسماء التي لم توجد أو تم الإشارة لها بإيجاز، وكأنه تهميش لها، والواقع أن أسماء النخب الثقافية والدينية والإعلامية أكثر من أن يتم حصرها في كتاب. هل تعتقد ان الفاعلين في المشهد الفكري والاجتماعي في السعودية هم فقط البارزون على الساحة أم هناك شخصيات تقوم بأدوار توجيه (خفية) دون أن تكون معروفة لجموع الباحثين والعامة؟ بالتأكيد هناك أسماء تقوم بأدوار خفية، لكن لا يمكن معرفة دورها حتى وإن كانت معروفة لدى المتابع، طالما أن ذلك الدور لم يوثق أو يعلنه صاحبه في أي وسيلة، حتى لا تتحول مثل هذه القراءات إلى نوع من الفضح لها، ثم إن البعض قد يبالغ في أدوار شخصيات غير علنية.. ويحيطها بقدر من التهويل والغموض! هل تعتقد أن الطفرة النفطية هي السبب الرئيس والعامل الأول وراء إحداث كل التحوّلات التي حدثت في المملكة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو فكرية؟ من المؤكد اليوم أن النفط يُعدّ أهم عامل في إحداث الكثير من المتغيرات في المجتمع والدولة، وسرعتها، لكننا لم ننجح بعد في تشخيص دور النفط التاريخي، وتأثيره على الفكري والسياسي والاجتماعي والديني. من خلال ما خلصت له من هذه الدراسة.. أي التيارات الفكرية والعقدية كان الأكثر تأثيراً على السعوديين خلال الفترات الزمنية التي درّستها؟ وجد العديد من التيارات الفاعلة في الحالة السعودية، لكن بعضها ظل محصوراً في نخب ثقافية وجمهور محدود، وبالمقابل كان التيار الديني بمختلف أطيافه، وبخاصة تيار الصحوة كان الأكثر حضوراً وانتشاراً في بعض مؤسسات الدولة والمجتمع. أين يكمن جوهر الأزمات الفكرية والمجتمع في السعودية تحديداً في رأيك؟ جوهر الأزمة يكمن في صعوبة تحديدها وتشخيصها، ولهذا تتضخم الآراء والاجتهادات العشوائية والانفعالية في خطاباتنا، والواقع أن هناك أزمة في كل مجال وفقاً لطبيعته؛ ففي المجال الديني حدثت تطوّرات في السنوات الأخيرة في معرفة بعض إشكالياته، لكن في مجالات أخرى إعلامية وثقافية واقتصادية لا يزال هناك نقص في تشخيصها وتحديد دورها. حديثك عن تركي السديري (رئيس تحرير الرياض) في إطار تناولك للجانب الإعلامي والصحفي في المملكة، لقي نقداً واسعاً؛ إذ كان يتوقع منك كلاماً معاكساً لما قلته عن السديري المعروف بخطه المناوئ للإسلاميين..!! في هذا الفصل نقد واضح للصحافة السعودية ولهيئة الصحفيين، وضعف مصداقية الصحف وعدم استقلاليتها، ونقلت نماذج للصحافة الموجهة من بعض الحملات .. لكن بعض القرّاء توقّف فقط عند (البروفايل) الخاص برؤساء التحرير، وقد أشرت فيه إلى أنه جزء من عيوب الصحافة السعودية. في الفصل الإعلامي لم أتناوله في سياق الصراعات الفكرية، وإنما في سياق المهنية ونجاحه في تحقيق الدور الذي يمثله، والبعض في هذا الفصل قفز على ما قدّمته من آراء حول الصحافة، وتوقف فقط عند هذه البروفايلات الموجزة، على الرغم من أن هذا الفصل فيه آراء نقدية مختلفة حول الكثير من مشكلات الصحافة السعودية. كانت هذه البروفايلات تقدم رؤية حول مهنية رؤساء التحرير، ولهذا كان الرأي إيجابياً حول تجربة قينان الغامدي مثلاً، ودوره التاريخي في إنجاح جريدة (الوطن) مع بداية انطلاقتها. البعض من خلال مواقف فكرية يرغب في تجريده من خبراته المهنية، وبعض تاريخه الصحفي وكتاباته خلال أكثر من ثلاثة عقود، بمجرد الاختلاف معه بالرأي أو الموقف، ولهذا استحضرت طبيعة دوره الرسمي وتحديات هذا الدور على المهنية ومنهج كتاباته، وقد كان له دور تاريخي في مراحل متنوعة، واعتبرت مرحلته الذهبية في بداية التسعينيات، وما قدّمه من كتابات لافتة. الفصل الخاص ب"التنوير" أثار الكثير من الاهتمام وحرك الجدل، وذلك باعترافك أنت.. لماذا كان هذا الاهتمام على الرغم من أن الفصل يُعدّ مختصراً للغاية، وبدا وكأنه لم يكتمل؟ لأنه لا يزال يتشكل حتى الآن، ولأنه هو المجال الذي يمكن التشكيك فيه بحيادية الكاتب، بحجة أنه محسوب على هذا الاتجاه، وخاصة أن البعض فوجئ بقراءة محددة لنقطة بداية النقد للخطاب الديني قبل عقدين. التنوير الإسلامي حالة جديدة في الحالة السعودية وتجربة مختلفة، وتختلف عن التيارات الثقافية التحديثية التقليدية التي نشأت مع بداية التعليم الحديث؛ لأن هذه الاتجاهات تجنبت مساءلة الخطاب الديني مبكراً، كما تجنبت الشأن السياسي، وقد تصوّر المثقف التحديثي بمختلف اتجاهاته أن هذا تهميش لحضوره، والواقع أنه يوجد فصل كامل للعقل الثقافي وتطوراته التاريخية. هناك عدة أسباب أدّت إلى هذه الإثارة، على الرغم من أن هذا الفصل لم يكتمل وهو هامشي في مشروع الكتاب، وكان يمكن وضعه في أحد الفصول إما العقل الثقافي أو الديني، وهذا الدمج كان سيضخم مادة أحد الفصلين بصورة غير مناسبة شكلياً. من الملاحظات التي قد يكتشفها أي قارئ متمعن في الكتاب، أنك أطلت الحديث عن فترات تاريخية معينة (خصّصت لها فصولاً كثيرة الصفحات)، على الرغم من أن الكثير قد يتفق على أن هذه الفترات قد لا تكون بالأهمية الكبيرة، في حين لوحظ اختزال واضح لفترات مهمة ومؤثرة للغاية في تطور مجتمع السعودية فكرياً واجتماعياً واقتصادياً؟ التحوّلات التاريخية لا تعتمد فقط على طول المدة الزمنية أو قصرها؛ فهناك فترات تبدو فيها التغيرات كبيرة، وهناك أزمنة تبدو مستقرة، ولهذا كانت بعض الفترات تحمل الكثير من التفاصيل المثيرة، وبعضها أقرب إلى الاستقرار والسكون، والتقسيم في قراءة هذه التحوّلات لا يعتمد على توزيع متساوٍ لعدد السنوات في كل مرحلة. ذكرت في الكتاب (ص 587): لقد استبدلت التنظيمات الصحوية بتنظيمات شلليّة نفعيّة، تطوّرت في ما بعد، وأصبحت مرتبطة بدوائر ذات قرب من قوى مهمة).. هذه العبارة سببت التباساً كبيراً عند الكثير ممن اطّلع على الكتاب؛ إذ لم توضح ملامح هذه التنظيمات، ولا ماهية الدوائر التي أصبحت ترتبط بها؟ لا أتحدث عن تنظيمات بقدر ما أنها إشارة جاءت في سياق أن التنوير في مرحلته الأولى كان غير منظم، وينطلق من رؤى فردية مبعثرة في النقد، وبعد سنوات حدث تغير وحالة استقطاب وتشكلات جديدة أثّرت على بعض محتويات هذا الخطاب، وأن الحزبية التي تنتقد بدأت تظهر بصورة أخرى، وعلى الرغم من أني لم أذكر أسماء هنا ونقدها، وإنما جاء النقد بصورة عامة كظواهر سلبية، إلاّ أن البعض استاء منها، ولست أدري لماذا انزعج البعض منها طالما أنه لم يحدد أسماء، خاصة أنني أشرت إلى أنها جزء من التطورات الطبيعية المفهومة لأي ظاهرة ونشاط جديد، ما لم يتجاوز تأثيرها عمق الخطاب التنويري ورسالته الإصلاحية المفترضة. من الملاحظات المهمة في كتابك أنك ذكرت في إطار حديثك عن حادثة جهيمان أن الإسلاميين لم يتعاملوا مع هذا الحدث بالعمق اللازم، وذات الشيء انتقدته في تعاملهم (الإسلاميون) مع حرب الخليج الأولى وكذلك حرب العراق أخيراً.. كيف لم يتأت للإسلاميين أن يكتسبوا الخبرة اللازمة للتعاطي مع هكذا قضايا، على الرغم من تكرارها ومعايشتهم لأكثر من حدث مماثل خلال فترة (30) عاماً فقط؟ ليس الإسلاميون وحدهم، فقد فشل الجميع في تقديم رؤى مبكرة حول إشكاليات فكرية وحوادث متنوعة، ولم يشكل وعي متراكم حول بعض الأزمات التي يمر بها أي مجتمع متحول. أما التيار الإسلامي فلا يزال أمامه الكثير لتأسيس وعيه بأهمية بالثقافة والفكر أولاً، على الرغم من الحضور الكبير في المؤسسات التعليمية والجامعات؛ فالوعي شيء آخر غير التعليم العام والعالي. اعتبر كثيرون ممن قرؤوا الكتاب أنك لم تقارب الجانب السياسي، إلاّ بشكل مختصر وفي عموميات لم تعط فيها استنتاجات، ولا قراءات كالتي قدمتها في مجمل الكتاب بالنسبة للجوانب الأخرى؟ لا أدري ما المقصود بالجانب السياسي هنا!! هل كان البعض ينتظر فضائح وشتائم وأسماء شخصيات أم رؤى وتفسيرات متنوعة لدور مختلف الجوانب الثقافية، والدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وما عرضته من آراء وتحليلات في كل فصل. وهناك فصل موجز في البداية، وهناك فصل كامل طويل في النهاية يحسب على هذا المجال! هل استطعت فعلاً أن تخلع عباءتك الفكرية خلال كتابة هذا السفر، وأنت صاحب اتجاه فكري معروف منذ أيام تجربتك في صحيفة (المحايد)؟ كنت ولا أزال أومن بالخيارات العقلانية التي تعزز روح الاعتدال في كل اتجاه، فمهما كان اتجاهك الفكري وخيارك الثقافي والديني فإن التأسيس العقلاني للمعرفة يساعد على تحقيق درجة من الحياد أو الاقتراب منه، مع الإيمان بأن الحياد المطلق لا وجود له، ولا يجب أن نفكر فيه، أو نجعله حجة في وجه أي محاولة تبحث عن الموضوعية في قراءة الأحداث والأفكار بحجة أنه غير موجود، وفي القرآن الكريم آية تربي فينا هذا الاتجاه والرؤية المستقلة (أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا). اعتمادك على مصادر صحفية ومواقع انترنت ومقابلات صحفية ألا تعتقد أنه يعمل على إضعاف قيمة العمل الذي قمت به؟ لم أعتمد على الإنترنت ومنتدياته إلاّ بخصوص الجزء الخاص في تقييم مرحلة الإنترنت والحرية الجديدة، وعند مراجعة المصادر ستلاحظ تنوّعها وفق الفصل والمجال الذي أتناوله، فهناك مطبوعات متنوعة بحثية وصحفية، وهناك كتب وهناك حضور للكاسيت، والمنشورات، وهناك تدوين خاص من المعايشة، وهناك برامج تلفزيونية، وهذا التنوع فرضته طبيعة العمل؛ إذ لا توجد دراسات متراكمة تُعنى بهذه التفاصيل المهملة في تحوّلات المجتمع، وكان هذا التنوع في المراجع أعطى بعض الحيوية للعمل. كيف ترى تجاوب النخب المثقفة من مختلف التيارات الفكرية في المملكة مع الكتاب؟ اختلفت ردود الأفعال والواقع أن أغلبها إيجابي، على الرغم من التحفظات التي لن يخلو منها أي عمل، وهناك آراء أخذت موقفاً مبدئياً من العمل لأسباب فكرية دينية أو ثقافية أو شخصية، وهذا أيضاً متوقع مع أي عمل. حجم ومستوى تناول الصحافة السعودية لكتاب (السعودية.. سيرة دولة ومجتمع).. هل كان مرضياً بالنسبة إليك؟ ليست القضية أن يكون مرضياً أم لا.. فالواقع أن الكثير من الصحف مشكورة تناولته بطرق متنوعة، لكن هذا التناول جاء بطريقة مختلفة عن أي عمل آخر من الكتب الجديدة لأسباب أتفهمها في تأثيرها على التعامل معه، حتى في معرض الكتاب الذي نفدت فيه الطبعة الأولى في أقل من شهرين! بعد نشر الكتاب ودخوله مرحلة التداول والنقاش في أوساط المثقفين والأكاديميين.. هل اكتشفت أن طرحك لجانب معين أو قضية معينة مما طُرح في الكتاب، لم يكن بالمستوى المرضي؟ أو أن قراءتك لحدث معين لم تكن صحيحة أو مبتسرة؟ كذلك هل كانت هناك قضايا أو أحداث كنت تتشكك في حكمك عليها، ثم تبين لك صحة حكمك أو اقتنعت بأن حكمك كان غير منصف؟ لا يزال الوقت مبكراً، وقد جاءت بعض الكتابات بصورة مجزّأة في تقييم فكرة الكتاب، وبعضها بذل جهداً مشكوراً في تقديم آراء نقدية استفدت منها. كيف تقيّم مسيرة المجتمع ومسيرة الدولة خلال الفترات التي تناولتها بالدراسة؟ أيهما كان أسبق بالمبادرات الرائدة؟ وأيهما كان الأكثر تطوراً والأكثر تأثيراً على كيان المملكة بشكل عام؟ كان أهم هدف في الكتاب هو استحضار أغلب المؤثرات في تشكل المجتمع والدولة ورصد الأقوى من هذه المؤثرات، ومدى نجاح بعض الجوانب وإخفاقه في كل مرحلة. من الصعب تحديد أيهما أكثر تطوراً والأسرع في مبادرته؛ فلكل مرحلة شروطها وظروفها ونتائجها التي تنعكس على المرحلة التالية، وقد فصلت حول هذه الإشكالية ليس من أجل تحميل المسؤولية لطرف دون الآخر، بقدر ما هو محاولة لوصف مسؤولية كل اتجاه، ودوره التاريخي من أجل تطوير وعينا التاريخي في تحوّلاتنا الفكرية والتنموية والسياسية، ورؤيتنا للمستقبل. مستقبل التحوّلات الفكرية والاجتماعية في المملكة كيف تراه على هدى هذا الكتاب؟ أو كيف سيكون اتجاه البوصلة فكرياً، سياسياً، اجتماعياً في السنوات المقبلة؟ لا يزال المستقبل معقداً في توقعه وتحديد مساراته وتحوّلاته الفكرية والاجتماعية مع ضخامة المتغيرات التي تزايدت بصورة يصعب معها حصر قوة هذه المؤثرات في الرأي العام، وقد يكون هذا ميزة من وجه وإشكال كبير من وجه آخر. هل هناك ما لم تقله في هذا الكتاب؟ هناك الكثير مما لم أقله بعد.. وأظن الكتاب مجرد مقدمة لما يجب أن يُقال مستقبلاً.