صار قدرنا أن نتألم كل يوم أكثر من مرة. أصبح الوجع نسغاً في تكويننا، نتعايش معه كما قدر من أقدارنا التي نتصالح معها متألمين صابرين محتسبين. تحولت حياتنا اليومية إلى ما يشبه أسطورة سيزيف. نحمل الحجر الضخم إلى القمة، أو قريباً من القمة، ثم يهوي إلى القاع فنعاود المحاولة نازفين، موجوعين، مثخنين بالعذابات، والإحباطات، والهزائم. نصحو على هموم المواطن المعيشية التي تحولت إلى كابوس يرهقه، ويرهق أسرته، من غلاء فاحش غير مبرر، ولا مسوّغ، وليس له أدنى تفسير عند القراءة، والفهم، والتحليل، واستخدام المنطق، والعقل، ومن أحلام لا يمكن أن تُطال بتوفير السكن الخاص الذي يحميه ويحمي أطفاله من نوائب الدهر، وخدعة الأيام، وقسوة الحياة، وتقلبات الزمن، إلى همّ رحلة الأولاد مع الدراسة الأكاديمية، وهل يتوفر لكل واحد منهم كرسيّ في الجامعات. إلى الاستشفاء، والطبابة، التي أصبحت خدماتها أقل من المتوسط. هموم، وهموم. وإذا خرجنا من التفاعل مع الداخل، فإن ما يجري في المنطقة والعالم من أحداث تجعل الإنسان يحمل قلبه على كفه. فنحن جزء من هذا العالم نتأثر سياسياً، واقتصادياً، وحياتياً بما يجري في أي بقعة في هذا الكون الواسع والصغير - أيضاً -. إذن: ومن خلال الوجع، والهم فإنني قررت أن أهرب - ولو مخادعاً لنفسي - إلى حالة استرخاء مع الرومانسية والشعر، ومفردات الحياة البسيطة جداً، والشفافة. إلى أين أهرب من هنا..؟؟ في لحظة تمنيت لو أن الزمن توقف في لحظة ما، عند حياة ما، حول صورة ما. ولتكن صورة الرائع المنخّل اليشكري التي رسمها في قصيدته العذبة: "ولقد دخلتُ على الفتاة الخدر في اليوم المطيرِ الكاعب، الحسناء، ترفل في الدمقس وفي الحرير فلثمتها، فتنفست كتنفس الظبي البهير فدفعتها، فتدافعت مشي القطاة إلى الغدير وأحبها، وتحبني ويحب ناقتها بعيري.." ثم تذكرت نفس الصورة عند المتيمة نورة الحوشان: "يا عين هلّي صافي الدمع هليّه ولين انتهى صافيه هاتي سريبه يا عين شوفي زرع خلك وراعيه شوفي معاويده، وشوفي قليبه اللي يبينا عيّت النفس تبغيه واللي نبيه عيّا البخت لا يجيبه" لقد تنفست - الآن - هواء نجد من خلال الصورة، وهذا محرّض على غسل الألم.