كُنت ممن طالب بإنشاء وزارة للثقافة حين كانت الثقافة كاليتيم المنسيّ يوم العيد وقت أن كانت جمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية والمراكز الثقافية ترتبط إدارياً بالرئاسة العامة لرعاية الشباب التي كانت تبحث فيما مضى وبكل الوسائل عن موطئ قدم بين الكبار في المجال الرياضي وخصوصاً كرة القدم وبالفعل أدى ذلك الدأب والإصرار إلى وصول منتخب المملكة لكرة القدم إلى أكبر محفل كروي في العالم أربع مرات متتالية وهذا إنجاز يُحسب لرعاية الشباب لا عليها ولكن كل ذلك كان على حساب الثقافة التي لم تجد حجم الاهتمام بالرياضة وهو أمر يُقرّ به الجميع، وحين تم إنشاء(نصف) وزارة للثقافة ارتبطت بوزارة الإعلام وتم ضم ودمج وربط كل ما يتعلق بالثقافة والفنون والآداب إلى ذلك النصف الوزاري تغيّر الوضع وتحرّكت المياه الراكدة فأتى من قَلَبَ تُربة الحقول المُتكلّسة وهيأها للإستزراع ونقل إليها (شتلات) كانت تنتظر الشمس والهواء لتُعطي ثمراً مختلفاً ألوانه يسرّ الناظرين فانكشف الستار عن مشهد ثقافي كدنا أن لا نتعرّف على ملامحه من أوّل وهلة لولا تلك الهويّة التي نعرف سحنتها جيّداً .. ما علينا يبدو أن الحكاية ستطول لو استمر السرد بهذه الوتيرة العاطفية لهذا سأدلف مباشرة إلى ما أود الحديث عنه: الأندية الأدبية تلك الحصون المُحصّنة التي طالها مُؤخراً أكبر تغيير حدث في مسيرتها فبعد أن كانت تعيش بياتاً دهريّاً لا يُسمع فيها غير همهمة التاريخ أصبحت تضج بالحياة والشباب وكثير من المشاكسات التي أشعلت جذوة الحوار والمنازلات الفكرية وطرح الرؤى التي تُغذي ميول كل الأطياف المُتعطّشة للفنون والآداب والثقافة، ومن هنا جاز لي أن أتساءل لماذا بقيت الأندية حبيسة مسماها (أندية أدبية) مع أنها تتعاطى مع مختلف المناشط الفنية والثقافية والفكرية؟ إن ماتقوم به اليوم بعض الأندية الأدبية (المتميزة) كنادي حائل الأدبي ونادي الدمام ونادي أبها وغيرها من حراك ثقافي متنوّع لا يهدأ يؤكّد ما ذهبتُ إليه من وجوب إضفاء صفة أكثر شمولية من مفردة(أدبي) فهل عقد ندوات وعروض وورش نقدية للأفلام السينمائيّة والعروض المسرحية تندرج ضمن مُسمى (آداب) وكذا إقامة دورات للتمثيل والتصوير الفوتوغرافي ومعارض للفنون التشكيلية والمشاركة في الأيام الثقافية السعودية التي تجوب العالم هل مرجعها النشاط الأدبي في مفهومه الضيق، أم انها تسكن الفضاء الأرحب ثقافة الأمّة آدابها وفنونها؟ والثقافة حسب الفيلسوف ( تشارلز تايلور) "ذلك الكلّ المُتداخل الذي يشمل المعارف والمعتقدات والفنون والأخلاقيات والقانون والتقاليد والعُرف والعادة والقيم الاجتماعية والميول التي يكتسبها ويُحققها الإنسان كعضو في مجتمعه"، وحين نُضفي صفة الثقافية على تلك الأندية فإننا نُحررها من الحيّز الضيق الذي كبّل أدوارها سابقاً وجعلها غير متواجدة في مركز اهتمامات أفراد المجتمع.! اليوم ونحن نشهد حراكاً متسارعاً في مختلف المجالات الا ترون معي بأن الوقت قد حان لأن تُعطى الأندية الثقافية الصلاحيات والدعم لتمارس دورها كمؤسسات قادرة على تشكيل المجتمع تشكيلاً جديداً؟