لا يخفى على المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسنته تلك النقلة النوعية التي حدثت للمرأة في ظل تعاليمه وهَدءيه، حتى ليمكن القول بأنه أحدث ثورة على ما كان مألوفا تجاه المرأة في هذا العصر وما سبقه من عصور. لقد أحيا النبي هذا الكيانَ المستضعف الذي ظُلم واضطهد، وامتُهنت كرامته، وسلبت إرادته، وكبت وأقصي على مدى حقبٍ طويلة وأزمان متباعدة، لا شيء إلا لكونه أنثى، حتى بلغ الظلم والقسوة بأن كان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته!! حمل النبي صلى الله عليه وسلم لواء الدفاع عن حقوق المرأة، في زمن لم يكن للمرأة فيه أدنى حق، وانطلق في حملته لتكريم المرأة من قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) ومن قوله تعالى: (ولهنَّ مثل الذي عليهن بالمعروف). أما الحقوق التي ظفرت بها المرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهي كثيرة، منها المساواة بين الرجل والمرأة في التكريم والتكليف والجزاء الأخروي قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحءيينه حياة طيبةً ولنجزِينَّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). ومن ذلك حقها في التعليم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (الطبراني) وهذا يشمل النساء لأنه ليس هناك ما يدل على اختصاص الرجال بالخطاب، فالأصل: العموم. وقد قالت النساء للنبي: "غَلَبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن" (متفق عليه). ومن ذلك حقها في اختيار الزوج فعن خنساء بنت خدام أن أباها زوّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله فردَّ نكاحها (البخاري ) وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تُستأذن" (متفق عليه). ومن ذلك حقها في الحياة الكريمة والأمن والقضاء العادل، فقد ورد أن نسوة ذهبن إلى بيوتِ أزواج النبيِّ يشتكين أزواجهن، فقال النبي: "لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم" (أبو داود) وهكذا أسقط النبي خيرية هؤلاء الرجال لمجرد شكوى زوجاتهم، وهذا غاية الإنصاف للمرأة. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة حقاً في الخروج من بيتها لقضاء الحاجات وحضور الصلوات في المسجد وغير ذلك، وفي الصحيحين: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". ومن الحقوق المالية للمرأة: حقها في المهر لقوله تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) أي أعطوهن مهورهن فريضة. وحقها في النفقة لقوله صلى الله عليه وسلم "ابدأ بمن تعول" (متفق عليه) وقوله "امرأتك ممن تعول" (أحمد) وحقها في المسكن لقوله تعالى: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجءدكم)، وحرية التصرف في التعاقدات المالية كالبيع والشراء والدَّيءن والرهن، والقرض، والوكالة، والإجارة، والوقف، والتبرعات المالية وغير ذلك. ومن ذلك حقها في فراق زوجها بالخُلع وقد ورد أن امرأة ثابت بن قيس قالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله "أتردين عليه حديقته؟" قالت: نعم قال: "اقبل الحديقةَ، وطلقها تطليقة" (البخاري). ومن ذلك حقها في الميراث، فبعد أن كانت تورث كالمتاع، فيرثها أقارب الزوج، فإن شاء ابنه الأكبر تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها أحدهم، وإن شاؤوا عضلوها حتى تموت أو تفدي نفسها بالمال، بعد كل هذا أصبحت من جملة الورثة أصحاب الفروض. @ أستاذ مشارك بجامعة الملك سعود