عندما قال الشاعر الشعبي: أرض تطاها يجي به نور ينبت ثمر ورد صمعاها كان يطوي البراري القاحلة وعندما يحلم بوجود رجل كريم وسط امتدادات الفقر والعجز فإن خياله يتجاوز حاجته الذاتية فيصور رؤية تلفه بأطر من نداوة الأمطار وابتسامات الرمال على شفاه الأزهار ورفض الصخور أن تظلل نباتات صفراء جافة حيث تورق الأرض بإخصابات متعددة الألوان والأذواق.. نحن أهل صحراء.. عانينا قروناً من الفقر.. كان تماوج تنقلات القبائل ليس من أجل النزهة، أو رحيلنا المعاصر ارتواءً من إضافات جماليات السياحة في دول مترفة، وإنما كانت القبائل تبحث عن مواقع سقوط المطر ليكون سقوط سيوفها ضد البعض أملاً في الاستيلاء على الخصوبة عبر زمن قصير للغاية حيث أن الصيف يساوي الجميع في الركض نحو القرى لبيع كل ما هو شحيح النتائج.. ثم تعاود الحروب اشتعالاتها مع بدايات البروق ثم الأمطار.. ثم الربيع.. الملك، الأب، المؤسس الجديد.. أعطه ما شئت من سمات أو ألقاب فهو أكبر من كل ذلك، لأنه فعلاً يتجه إلى أي أرض في وطنه تجاوزت مرحلة الفقر وتتعطش للارتواء من قناعات تأسيس جديدة لنمو اجتماعي يتعملق فيه الاقتصاد والصناعة.. الملك عبدالله.. لا يلبي حاجات عارضة ولكنه يرصف وبعناية دروب اتجاه الجميع نحو خروج نهائي من أوضاع الشرق الأوسط فقره وخلافاته.. خروج.. ليس حالة أمل.. ولا مباشرة تجربة.. ولكنه تجهيز لقدرات هائلة الطاقة.. واحد منها ما سوف يضع له حجر التأسيس في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ.. 130مليار ريال استثمار أجنبي ومحلي في مدينة الرجل الخالد، وحجر الأساس لمشروع مدينة كادر للتدريب التي ستقام على مساحة مليون متر مربع لتدريب أبناء وبنات براري الصحارى القاحلة في ماضيها، الخصبة عطاءً مذهلاً في حاضرها.. "أرض تطاها يجي به نور".. أجل.. تلك البراري وانحناءات الصخور الجيرية المجوفة وأهازيج عواء الذئاب المخيفة.. سوف تشع بها الكهرباء.. ليس هذا فحسب.. بل إن كل شيء سوف يضاء.. يأتي نور العلم إلى المنزل.. إلى المدرسة.. إلى المستقبل إرشاداً استراتيجياً يقودنا إلى زمالة أوروبا.. "ينبت ثمر ورد صمعاها".. صمعاها.. هذه لم يدركها جيلنا لكن طفولتنا أدركت ذلك الفقر الشاحب حين تقنن الأمهات.. وأنا عشت رعاية أم.. موجود التمر القليل جداً الذي يوزع على مدى السنة بأحقية لا تزيد على خمس تمرات في اليوم.. أما جيل اليوم.. فهو الجيل الذي يفتح أمامه عبدالله بن عبدالعزيز كل بضعة أشهر آفاقاً اقتصادية كبرى.. بل لماذا لا يكون كل بضعة أسابيع حيث كان في الشرقية منذ زمن وجيز يتخاطب عملياً مع مستقبل القفز نحو أوروبا..