منذ القدم والعشق متأصل في قلب الإنسان، ولعل الشاعر يتميز في هذه الخاصية لأنه يصور ويجسد ماينتابه من علامات في قصيدة وينثر وجدانه من على شرفات الآه والحزن تاره والفرح والسرور تارةً أخرى. ويأتي الهيام في أعلا درجات العشق، حيث يهيم الشاعر ويتألم لفراق محبوبته مثلاً أو لهجرها له.. وهنا صوَّر الشعراء تلك المعاناة.. يقول قيس بن الملوح: إليك عني فإني هائم وصب أما ترى الجسم قد أوى به العطب لله قلبي ماذا قد أتيح له حر الصبابة والأوجاع والوصب ضاقت علي بلاد الله ما رحبت يا للرجال فهل في الأرض مضطرب هنا هيام قد برح بالشاعر بصدق المعاناة التي تتضح في تلك الصورة، وعلى أننا في زمن العشق لانكاد نرى أو نسمع مثل تلك الأبيات في قوتها ودقة الوصف،إلا أننا وفي نفس الوقت نستذكر ماقاله شعراؤنا القدامى في هذا المجال من الشعر أو لنقل شعر الوجدان والبوح والهيام. يقول الشاعر - حمد المغلوث: قلبي عليه من الوله فيه دكاك والحال مني خلصت بالحساير يازين شفني من غرامك وفرقاك كني على جلٍ من الهم حاير صورة العشق الممزوجة بالفراق تأتي هنا من أعماق الشاعر بمصداقية واضحة. وعلى أن الشعراء قد أبدعوا في قصائد العشق منذ القدم،إلا أنهم وفي نفس الوقت قد أوضحوا لنا مدى مصداقيتهم في بث مشاعرهم وصورة آلامهم وأحزانهم التي هي أساساً بسبب العشق. معظم الشعراء يمتاز شعرهم بالعاطفة الجياشة والرقة وهذا دليل على تأصيل (العشق) في داخله.. يقول ابن الدمينة شاعرالعشق في العصرالأموي: وقَدء زَعَمُوا أَنَّ المُحِبَّ إذا دَنَا يَمَلُّ، وأَنَّ النَّأءيَ يَشءفِي مِن الوَجءدِ بِكُلِّ تَداوَينا، فلم يُشءفَ ما بِنا على أنَّ قُرءبَ الدّارِ خَيءرٌ من البُعءدِ!! على أَنَّ قُرءبَ الدَّارِ لَيءسَ بنافِع إذا كانَ مَنء تَهءواهُ لَيءسَ بِذِي وُدِّ هنا صورة العشق الصادق الذي يتكئ على مصداقية الحب والوفاء، ولعلنا نلاحظ مدى الدقة وقوة المفردات التي جعلت من الشاعر مبدعاً. وعندما تأتي البيئة وهي ملهمه للشاعر، فإنها تجسد في نفس الشاعر إثارة مشاعره خصوصاً في عشقة الممزوج بالحزن والآه،الذي من خلاله يكتب الشاعر بملء مساحات طبيعته بكل معاني الوجد والألم خصوصاً في فراقه لمحبوبته وعتابه عليها.. يقول أيضاً الشاعر - حمد المغلوث: ياعين لاتبكين هذا ولا ذاك إلا ولا فرقا الأهل والعشاير أبكي على سمح النبا حسن الأسلاك اللي عليه مغوز الدمع فاير ألم وحزن وبكاء في زمن العشق الصادق يتضح من خلال هذه الأبيات العذبة التي تأخذنا إلى عالم من الجمال الكتابي في فضاء الشعر، وهنا تجسيد حقيقي لمدى العشق الذي ينتاب الشاعر ومدى ما يحمله من هم وألم من جراء ذالك الفراق. ويأتي وجدان الشاعر ممزوجاً بعشقِ ووصف يتغلغل في زمن الحب،ليأتي إلى مايريده من خلال كتابته لنصه الشعري.. يقول الشاعر العذب محمد العبدالله القاضي: الا ياحمامٍ ناح في راس مانبا بالألحان مطربني على النايف العالي مرابي مرابي الزين والدل والنوى مغاني العذارى اليوسفيات بإكمالي جميلٍ يسر العين زاهي جماله على مفرعة يبدي لي ألوان وأشكالي صورة جميلة تنم عن عشقٍ رائع يبديه الشاعر مع وصفٍ عذب أيضاً لتلك المحبوبة الذي يحكي عنها في مفردات قوية ورائعة. وعندما يأتي الوجد والتوجد وهو يعكس صورة العشق الذي كثيراً ماكان الشغل الشاغل للكثير من الشعراء خصوصاً القدامى لكنهم يبثون شعرهم صدقاً يحكي معاناتهم وهيامهم وآهاتهم، فإن ذلك مايجعلنا نهتم بالعشق عندهم،ونستعرضه لنعيش ذكراهم ونتخيل كيفية العشق الممزوج بالفراق والوداع المشوب بالألم عندهم يقول الشاعر عبدالله بن حمود بن سبيل في إحدى روائعة: يوم الركايب عقبن خشم أبانات ذكرت ملهوف الحشا من عناية ليته رديف لي على الهجن هيهات أما معي والا رديف اخويايه أخذت لي في ماضي العمر سجات يوم الهوى قايم وأنا أتبع هوايه صورة العشق التي بها الألم والفراق نجدها هنا عندما تنتثر مشاعر الشاعر بكامل إحاسيسه ولوعته التي نتجت من فراقه لمحبوبته التي غادرت لتتركه يتألم.. هذا الألم ماهو إلا نتاج عشقٍ كبير تغلغل في داخل الشاعر. وللعشق صورة أخرى تتكيء على روح المعاناة والألم والوصف، كل تلك الأشياء تجتمع في داخل الشاعر ليجسدها في قصيدته يقول الشاعر الفذ محسن الهزاني: نابتات من مطر سحب الوداد بالتمني والتوجد مورفات اشتكي لك من هوى نجل العيون يوسفيات المها حم الشفات سالبات للملا تلع الأرقاب خردات بالبيوت مخفرات قاصرات الطرف عنهن البدور لوتبين جنح ليل كاشفات ويقول: يحسبني عن مودتهن سليت لاوعما والضحى والمرسلات انهن بخاطري يقضٍ ونيم خاشرني في ركوعي والصلاة صورة عذبة تنم عن مدى عشقة الممزوج بالآه في زمن الحب، هو كذلك عندما يدخل الوصف الدقيق في قصيدته، ومن هنا نجد مدى تأثر الشاعر بموضوع النص الذي أثبت من خلاله مدى مايمتاز به من عشقٍ كبير وقوي لتلك المحبوبة. وبعد يظل العشق عند الشعراء علامة بارزة من علامات إبداعهم الذي إمتازوا به والذي يتضح جلياً لنا في قصائدهم العذبة والصادقة التي تُعبر عن عشقهم الأبدي الذي أخذهم إلى عالم من الجمال.