صورة الذات المبدعة التي يعكسها الشاعر في قصيدته، تجعلنا نتعمق في قراءتها والتمعن فيها، وهذا بالطبع مايجعلنا نقول الذات المبدعة لدى الشاعر.. في النص الشعري المبدع ، نجد انتقاءاً مميزاً للمفردات وتوظيفًا حقيقياً للمعنى هذا إذا كان الشاعر مبدعاً، ومن هنا فإن النص الشعري ينطلق بإبداع الشاعر المتمكن . خالد الفيصل الشاعر، لم يكن مبدعاً فقط، بل ذاتٍ مبدعة إستطاع تجسيد الإبداع في كل جوانبه ولعل للشعر إبداع من نوع آخر عُرف به ، ليس لأنه شاعر فحسب بل لأنه من استلهم الإبداع وزرعه في ذاته ليقول لنا هنا شعراً متفقاً مبدعاً .. ماقبل ثلاثة أو أربعة عقود جاءت نصوصه مبدعة وظلت كذلك وستظل ، ولم يكن هناك نص أقل إبداعاً من غيره بل جميعها تمثل روح الإبداع الذي ظل يعانق شموخ المرحلة في سباق متناهٍ تغلغل في ذائقة القاريء خصوصاً إذا جاء اللحن المميز ليكمل ذلك الإبداع . (ولعتني وخليتني أنشد الناس) من أعذب النصوص التي سطرها إبداع فارس الكلمة ، عندما جاء ذات يومٍ ليعلن أنه جديد الكلمة وحديث الشعر وروعة اللقاء الإبداعي .. خماسية الأبيات تلك التي أطربت الأسماع بغناء فنان العرب محمد عبده ذات يوم ولازالت حتى الآن في قمة عطائها وذائقتها . يقول : ولعتني وخليتني أنشد الناس وفضحتني مابين ربعي الأدنين استهلال بديع في صنع المفردة وقوة الدخول إلى النص تجعل القاريء يبدأ في الغوص وبشغف في النص لمعرفة مافيه من معاني،عذبة لأن النص بطبيعته ومن بدايته نص وجداني يحمل معاني حزينة وفيه توجد وحزن وآه. الولع يعتبر سمة تطغى على النص من بدايته، فالشاعر يغلب عليه شعور التولع بالمحبوبة بشكل كبير، حتى أنه من شدة ذلك الولع أصبح يسأل الناس، حتى وصل إلى انكشاف أمره مابين الكل، وهنا صورة واضحة تماماً تجسد مدى قوة الولع والشوق. ولعل الشاعر بإبداعه عُرف بدقته في الاسترسال والترتيب المبدع وسياق النص الشعري، والدليل هنا في هذا النص المتسلسل عندما يقول: ياصاحبي من عقبك البال منحاس أصفق بكفٍ كف وأشكي من البين يُظهر هنا صورة أخرى أكثر إبداعاً من ذي قبل، حيث إنه يصور الذات المتألة في معنى عذب ، وهو يتحسر ويتألم في ذات الوقت من الفراق. هنا تأتي خاصية مميزة لدى الشاعر كونه اختار المفردة الدقيقة والصحيحة للتعبير الحقيقي في النص، وهذا بالطبع لايجيده إلا شاعر متمكن كدايم السيف. ولأن النص الشعري عندما يأتي بكامل أساسياته في البناء والصياغة، نجد انه من الجميل أن يقابل بذائقة راقية وتقبل من المستمع والقاريء، وهذا بالطبع مايميز النص الشعري المبدع، وفي ذات الوقت ينم عن مدى مايملكه الشاعر من إبداع في صياغته للنص الشعري. وفي صورة جديدة ورائعة فيها من الرومانسية الجميلة مايجعل القاريء والمستمع لها غنائياً يطرب ويتلذذ عندما يقول : أسقيتني مر العذابين بالكاس وحرمت عيني لذة النوم يازين عذوبة الكلمة، مع دقة الوصف والاختيار للمفردة جعلت من هذا البيت لحن عاشق به من الهيام والآه والتوجد الممزوج بالحزن شيئاً كثيراً يجبرنا على متابعته وسماعه بلحن الحزن .. ثم يواصل شاعرنا العذب بقوله : لاتحسب إن الصد والهجر نوماس ترى الخطا مدموح بين المحبين في صورة أخرى ولكنها أبلغ من ذي قبلها أتى هنا ليبين بأن الحب لايصلح لأن يكون فيه ماينغص الروح ويتعبها ، ثم في صورة أخرى وفي نفس السياق يعود ليهدئ من حدته ليقول بأن كل الأخطاء مقبولة بين المحبين والعاشقين وهنا أجد صورتين جميلتين في نفس المعنى في قالب شعري لذيذ ومفهوم ودقيق أبدع فيه الشاعر كعادته في الانتقاء المبدع للمفردات. خالد الفيصل لم يكن ذات يوم في كتابته للنص الشعري متكلفاً في مفردات النص لديه ، بل لم يكن يريد البقاء في تقليدية الطرح للرؤى والأفكار الشعرية، بل هو من انتشل النص الشعري من تقليديته المعروفة ووصل به إلى عالم التجديد في الإنتقاء الذي لايمس أسسه البنائية. ومن هنا فهو بحق رائد التجديد في النص العامي . وعند قراءتنا لفارس الإبداع خالد الفيصل، نجد أننا أمام مدرسة شعرية نستقي منها أسس البناء الصحيح في كتابة النص الشعري ، بل ونستقي أيضاً الذائقة القرائية التي لابد من حضورها في زمن الشعر وكتابته. وبعد كانت تلك رؤية نقدية لأحد نصوص المبدع دائماً فكراً وأدباً وشعراً وعملاً .. أتمنى أن أكون قد وصلت وإلى رؤية أخرى بحول الله.