ليس من الغريب أن تتصدر السعودية قائمة الدول الأعلى في نسب الطلاق وذلك عطفاً على حجم المعوقات الاجتماعية التي تقف في طريق الشاب والفتاة وتمنعهما من الاختيار السليم لشريك الحياة، فلا الشاب قادر على رؤية زوجته المستقبلية إلا في الليلة الكبيرة، بعد وقوع الفأس في الرأس، ولا الفتاة تستطيع الاحتكاك بخطيبها قبل أن تتزوجه حتى تعرف مدى تناغمها معه، وليس من طريقة لكي يرى أحدهما الآخر سوى تلك اللحظات المسروقة التي يسمح بها العرف الاجتماعي ساعة الخطبة، والتي تتم عادة في ظروف غير طبيعية بالنسبة لزوجي المستقبل، تحيطهما بغمامة خادعة تجعلهما لا يريان نفسيهما كما هما في الواقع، بل كما تتصوره أشواقهما ورغباتهما، حتى إذا جاءت ساعة القدر، وتم الزواج، وانتهى الاثنان إلى ذلك البيت الجديد، اكتشف كل واحد منهما زيف الصورة التي رسمها للآخر، وبدأت العيوب بالظهور حتى يصل الاثنان إلى النقطة التي ما منها بد.. الطلاق. وقد نختلف في تحديد أسباب الطلاق وارتفاع معدلاته، لكني أرى أن هذا هو أول الأسباب وآكدها، أعني أن الشباب من فتيان وفتيات لا يملكون الآلية الصحية والطبيعية التي تجعلهم يحسنون اختيار الشريك المستقبلي، خاصة في ظل نظام الفصل بين الجنسين الذي لا يتيح لأحدهما تأمل الطرف الآخر واختبار مشاعره عن قرب قبل التوقيع على وثيقة الزواج. وفي هذا ظلم للاثنين، وطحن نفسي لمن اعتبر نفسه مخدوعاً في هذه الصفقة مفضلاً ابتلاع الخديعة واحتمالها حتى يأتي الله بالفرج، أما الظلم الأشد فهو الذي يقع على الفتاة الصغيرة التي تجبر على الزواج من رجل يكبرها بثلاثين أو أربعين سنة، فلا هي اختارت، ولا اختبرت، ولا حتى رأت، وفوق ذلك سيقت إلى من لا يقترب منها في عمرها ولا تفكيرها ولا ذوقها من قريب أو بعيد.. وعليها أن تحتمل هذا العذاب مرغمة. هذه الخواطر دهمتني بعد أن اطلعت على تقرير لوزارة العدل عن نسب الطلاق في السعودية، وبعد أن شاهدتُ فيلمين أمريكيين أجدهما يعزفان على وتر ما أراه سبباً في حصول الطلاق. الفيلمان من إنتاج السنة الماضية 2007هما (قلب كسير-The Heartbreak Kid) وَ(Knocked Up) وهما يصوران بالضبط ما نبحث عنه وهو مصير العلاقة التي تأتي بعد لحظة لقاء سريعة من دون تخطيط ومن دون إعطاء الفرصة للفحص والاختبار، وهذا قريب من طريقة الزواج في السعودية، إذ يحصل كل شيء بسرعة، وخلال لحظات قليلة يكون على الشابين أن يحسما الأمر في قضية مصيرية ستؤثر في حياتيهما إلى الأبد. في الفيلم الأول (قلب كسير-The Heartbreak Kid) يلعب النجم الكوميدي "بين ستيلر" دور الشاب المخدوع "إيدي كانترو" الذي اكتشف وهو في شهر العسل أن زوجته الجديدة ليست هي كما تصورها قبل الزواج، فقد وجدها ذات أخلاق بشعة وشخصية مزعجة لا تتسق مع ظاهرها الجميل. أزمته بدأت عندما رأى شابة جميلة كاملة الأوصاف تركض في الشارع خلف رجل سرق محفظتها، في تلك اللحظة، صعق بجمالها وفتن بها وقرر من فوره: إن هذه زوجة المستقبل. وخلال فترة قصيرة جداً كان الاثنان يسيران باتجاه الجنوب.. إلى المكسيك.. حيث المنتجعات السياحية لقضاء شهر العسل. وهناك يكتشف فيها طباعاً غريبة تجعله يشعر بمرارة الحياة وبالحسرة على ما اقترفته يده حين قرر الزواج بعد لقاء عابر. الفيلم يأخذ المنحى الكوميدي الصريح ولا يقترب من المعنى الجاد الذي قد توحي به كلمات المقال!، وهذا ديدن الأخوين "فارلي" مخرجا الفيلم وصانعا الأفلام الكوميدية الناجحة (الغبي والأغبى) و(شيء ما حول ماري)، لكن ما يكفينا من الفيلم هو مجرد الإشارة إلى جوهر المشكلة، إنه يقول ببساطة أن ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً، وقضية مصيرية وأبدية مثل الزواج لا ينبغي أن تتخذ بسرعة واعتماداً على لحظة لقاء قصير، ذلك أن اللقاءات الأولى عادة خداعة، يُظهر فيها الشخص أفضل ما لديه، ثم بمرور الوقت يتضح جوهره الحقيقي إن جيداً أو سيئاً. والنتيجة التي آل إليها بطل الفيلم تصور لنا حال كل من يختار شريك حياته بطريقة متعجلة، وهل لدينا نحن في السعودية إلا هذه الطرق المتعجلة؟! الفيلم الثاني (Knocked Up) وإن كان يحوم حول ورطة النساء مع حملٍ غير مرغوب، إلا أن طابعه الكوميدي المغلف بقالب رومانسي جعله يبدو كما لو كان يتحدث عن امرأة تبحث عن حب حياتها حتى لو في قلب رجل مغفل كالذي تورطت معه. الفيلم من بطولة النجمة الجديدة كاثرين هيغل ومن إخراج الأمريكي "جاد أباتو"، وهو يحكي قصة السيدة "أليسون" التي بدأت عملها كمذيعة في قناة E! ثم تورطت بلقاء عابر مع شاب مغفل وقبيح ولم تنتبه إلى خطورة اللقاء إلا بعد فترة حين رأت جسمها يتضخم واكتشفت أن طفلاً ينمو في أحشائها. حينها تصاب بالهلع لسببين: الأول أنها مهددة بالإبعاد من عملها كمذيعة في هذه القناة التي تتابع أخبار نجوم السينما وتهتم بأزيائهم وأناقتهم وأجسادهم الممشوقة على الدوام. والسبب الثاني أنها لم تكن تتخيل ولا في أبشع كوابيسها أن يكون طفلها الأول ابناً لهذا الرجل الوضيع الذي لا يصل إلى أقل درجات ذوقها. وهنا تحديداً ألسنا نتحدث عن ورطة الفتاة السعودية التي لا تعرف شيئاً عن الرجل القادم إلى حياتها؟! هذان الفيلمان يتحدثان عن ورطة الشباب، عن الخديعة التي تسبق الزواج، وعن المظهر الجميل الخداع الذين يزين العلقم للشاب المتحمس، وبالطبع فهما ليسا مصنوعين من أجل السعودية، إنما وجدتُ في قصتيهما ما هو قريب مما نعيشه وما يشير إلى حقيقة الأزمة التي يعانيها شبابنا حين لا تتاح لهم الفرصة الطبيعية ليختاروا شركاء حياتهم، بعضهم مثل الشاب "إيدي" يرى جمال الفتاة ساعة الخطبة ومن رؤية واحدة يقرر الزواج ثم يصدم فيما بعد، وبعضهم الآخر مثل المذيعة "اليسون" لا تدري من سيقرره القدر ليكون والد طفلها الأول.. هل قريب من ذوقها؟ قريب من مستواها العقلي والمهني وهي الموظفة المحترمة؟ أم أنه سيكون أبلهاً جاهلاً وقبيحاً يعيش عالة على غيره؟!