تحدثت في مقالة سابقة عن شكوى أم سعد من شقاوة طفلها وجنوحه إلى الإفساد والتحطيم وتخريب الممتلكات، وذكرت حينها ان هناك اهدافاً نفسية كمحاولة لفت نظر الابوين وطلب الاهتمام به، فالطفل حين يجد أبويه وذويه منهمكين في شؤونهم وأعمالهم أو يتجاذبون أطراف الحديث فيما بينهم، وليس هناك من يعيره اهتماما، فإنه يشعر بالحاجة إلى لفت النظر اليه . وربما كان التخريب طريقة تعبيرية لتنفيس الطفل عن غضبه حين لا تسعفه ألفاظه وقدرته على النقاش والدفاع عن نفسه فيلجأ للتخريب . @@ وربما كان للمحيط الاجتماعي دور في ذلك فيمارس الطفل العنف والتخريب بسبب (ضعف العلاقات الأسرية) أو عدم انسجام الأبوين أو الأخوة فيما بينهم أو وجود مشاحنات ومشاجرات مستمرة بينهم، الأمر الذي يقلق الطفل بشدة، ويدفعه إلى التعبير عن غضبه وعدم رضاه عن ذلك باللجوء إلى الشغب والتخريب!!. كذلك لا نغفل موضوع (الغيرة من الأقران) فالطفل الذي يشعر بأن له موقعاً وشخصية متميزة في البيت، فيأتي من يسلب منه هذا الاهتمام، ينزعج من وجوده ويضمر له العداء، ويحاول إيذاءه وتخريب أشيائه، وكذلك قد يتسبب اهتمام المعلم في المدرسة، بتلميذ ما وامتداحه والإشادة به، بإثارة أحقاد بقية الاطفال عليه ومعاداتهم له واتخاذ مواقف تخريبية ضده. @@ كذلك (العقاب الشديد والمبالغ فيه) قد يدفع الطفل إلى البحث عن طريقة ينفس بها عن كبته النفسي فيهديه تفكيره الطفولي إلى التخريب والإيذاء تعبيراً عن رفضه لهذه الحالة . ومع الوقت يصبح هناك ارتباط ذهني لدى الطفل بين التخريب والشغب وبين محاولة ( الاعتراض والرفض والمقاومة) فيبادر مثلا إلى المشاغبة حين يزور بيت عائلة لا يحبها أو حين يرغم على الجلوس في مجلس جامد لا يرتاح له .. وربما ان الطفل حين يخاف من العقاب المترتب على خطأ معين قد ارتكبه نلاحظ انه يلجأ إلى التخريب عن جهل بهدف محو آثار خطئه كما يظن !!. وتبقى الطامة الكبرى حين يكون التخريب بهدف التسلية وملء الفراغ. @@ لكن هل فكرنا بان الطفل قد يهدف بذلك (اخذ الثأر لنفسه) من والديه حين يحرمانه أو من شخص يزعجه ويؤذيه، ولأنه لا يستطيع التصدي لهم مباشرة، فإنه يثأر لنفسه من خلال التخريب الذي يثير الأعصاب!!. وماذا لو كان هذا الطفل يريد من ذلك( إثبات ذاته) فمثلا اذا أمره ابوه بأمر معين وتمرد الطفل ولم يفعل، فحرمه من بعض الامتيازات، فإنه سيلجأ إلى العناد والتخريب من أجل إثبات ذاته واستنفاد صبر والده و إرضاخه . وماذا ايضا لو كانت هذه الأفعال نابعة من (الشعور بالفشل) فينزعج إذا ما لاحظ ان رأيه أو ذوقه لا يؤخذ به، فيحاول مداراة فشله وانزعاجه بالتمرد والتخريب. @@ واخيراً يبقى أن نعرف ان مرحلة الطفولة تمتاز بالحركة والسعي والنشاط. وهذا دليل على النمو والسلامة والصحة البدنية، حيث يتحول الغذاء إلى سعرات حرارية مولدة للطاقة، فيسعى الأطفال إلى تصريفها بواسطة اللعب والجري وربما التخريب حين لايجدون التوجيه الراشد أو الأنشطة الموجهة . وفي الاسبوع القادم سأتحدث عن النشاط الحركي الزائد لدى الاطفال كمرض كثير الانتشار ومع ذلك لا نحسن التعامل معه .. وعلى دروب الخير نلتقي ..