لم يتقلّص دور الإنسان حتى مع انفجار المعلومات وتعميمها على قطاع كبير من العالم لأن الثروة البشرية هي المرتكز الذي تقوم عليه إرادة التطور والتغيير، والانتقال من نقطة البداية إلى الثورة الحضارية بمضامينها المعاصرة. أن يجتمع مسؤولو الجامعات العربية في الرياض، وتحت مفهوم مواجهة التحديات في التعليم الجامعي الراهن، والرقي به من حالته التقليدية إلى العالمية، وضمن اتحاد عربي، فهذا يعني أن القضية تفترض وجود متغير إيجابي، على المستوى القومي، لأن الحاجة إلى طاقات إنتاج تناغم مثيلاتها في العالم المتقدم هي في أصولها وفروعها محاولة انتماء للعصر بتقدمه الهائل، ولعل دعوة خادم الحرمين الشريفين، ورعايته لهذا الاجتماع تصعدان بنا من جعل الأدوار فقط تحكمها السياسة، إلى آفاق المعرفة التي هي التحدي الحقيقي لأي أمة وشعب.. فالقصور الذي تعانيه الجامعات العربية سببه سوء تخطيط، وقلة اهتمام بالمردود البشري حين ذهبت ميزانيات الدول لعسكرة الإنسان، وجعل القوة العسكرية تتصدر الخطط والإنفاق، لنضيع في متاهات الأميّة العلمية والمعرفية، وتزيد أعداد المحرومين من التعليم ولنعطل أكبر طاقات المجتمعات العربية، ونتحول إلى ضحايا الخطوط السياسية المتعرجة التي أضافت إلى أعباء الجهل صورة الإنسان العائم، والضائع بين متاهات الأحزاب، والقوى المحركة لتصدّع المجتمع وتمزيقه، وإثراء قوى الظلام على حساب الأنوار.. لقد أظهرت الإحصاءات العالمية أننا في السلالم المتأخرة من حيث الصرف على البحث العلمي، وأن جامعاتنا تقع في المراكز الدنيا، وأن مجموع ما يُطبع من الكتاب ويسوّق في كل الوطن العربي لا يوازي ما تنتجه وتقرأه دولة ثانوية أوروبية، وأننا أمة مستوردة حتى لمصادر قادرة أن توفرها من إمكاناتها الذاتية، وأن المرأة لا تزال تشكل مأزق الأميّة في تضاعف أعدادها، وفي هذه الأجواء التي كرست التخلف لابد لاجتماع اتحاد الجامعات أن يكون المسؤول أدبياً وأخلاقياً عن البحث عن مخارج، وطرح البديل الموضوعي، والعملي، لا الشكلي والتقليدي، ويهمنا بالدرجة الأولى أن يخرج هذا اللقاء من أسءر السياسة وتعقيداتها، إلى بناء هيكل لمنظومة تصعد بالتعليم الجامعي إلى مستوى يقربنا من الآخرين، ويضع الأساس الأول لتكتل جديد يتعامل مع التحديات بمنظارها العلمي وتوجهها الصحيح بدلاً من أن تتوجه الإمكانات البشرية التي هي ثروة الأمة إلى الضياع، أو الركض خلف لقمة العيش فقط.. نحن أمة أميّة بمعناها التربوي والعلمي، إذ كل مجموع الجامعات العربية لا يرقى لتعداد وجودة جامعات كوريا الجنوبية، وكل من تدفع بهم تلك الجامعات لسوق العمل لا يرقى لسد حاجات النسب الضئيلة للطاقات التي تحرك آلية التطورات العلمية والإدارية والصناعية، وهنا مصدر الخطر أننا نقف بين حاجزين، الأمية، والقهر السياسي وبدون أن يكون التعليم هو مرتكز التخطيط والصرف قبل أي شأن آخر فإننا سنبقى في قاع المجتمعات وخلف كل الشعوب المتقدمة..