يعتبر الأستاذ الأديب سليمان الأفنس الشراري من الباحثين المتخصصين في دراسة الموروث الشعبي وهو من القلائل الذين تكون أبحاثهم ذات نوعية متميزة وتتصف بالجدة والجدية لأنها تصدر عن معرفة واطلاع وخبرة ومعايشة حقيقية لميدان البحث الذي يقوم به، لذا فلا غرابة أن نرى عدداً من كتبه - التي تجاوزت العشرين كتاباً - تكتسب مرجعية علمية في الجامعات الأمريكية وتلك اشارة إلى الجهات الثقافية والعلمية هنا في المملكة السعودية بوجوب تكريم مثل هذه الشخصية النابهة التي خدمت تاريخ وأدب وتراث الجزيرة العربية طوال عقود من السنين. أصدر الأستاذ الشراري في بداية هذا العام كتاباً موسوعياً قيّماً في موضوع لم ينل عناية الدارسين ولكنه اولاه اهتمامه وسخر له جهده فاخرج لنا به سفراً رائعاً ضمن سلسلة أسماها (موسوعة التراث عند قبيلة الشرارات "بنوكلب") عنوان الكتاب: (الهوادج.. المراكب.. المنسوجات) إذ يتناول البحث العميق المفصل الذي استغرق خمسة وعشرين عاماً جانب من المقتنيات التراثية التي استغنى الناس عنها بغيرها من الصناعات الحديثة فكثيراً من هذه المقتنيات اندثر واوشكت البقية على الاندثار حيث تشمل الحديث عن مراكب الابل وهوادجها وما تحتويه والحديث عن بيوت الشعر وما تتضمنه ومختلف ما يتعلق بالسجاد العربي الأصيل وصناعة المنسوجات والجلديات والصياغة وغيرها فجاء هذا البحث مستلهماً الماضي في أبهى صوره ليعيد حضوره موثقاً في المكتبة الشعبية بل في المكتبة الوطنية مركزاً على الدور الهام الذي تقوم به المرأة في مجتمع البادية ومبرزاً مهاراتها وقدراتها في العمل اليدوي الجميل الذي تضاهي به مدارس الفن التشكيلي في هذا الزمن. ورغم أن الباحث حصر بحثه في عنوانه ضمن (تراث قبيلة الشرارات) الا انه لا ينحصر بالشرارات وحدهم لذلك نوّه في مدخل كتابه إلى أن قبائل الشمال كافة لديهم نفس الموروث مع اختلاف بسيط ولكنه كباحث متخصص في تاريخ قبيلته أخذ ما سمع منهم وعنهم في هذا الموروث، والحقيقة انه طالما أن الأمر كذلك فلو جاء العنوان بصورة أعم لكان أجمل لأن للعنوان دلالته التي لا تخفى على الأستاذ الفاضل مع العلم أن ذلك تراث مرتبط بحياة الصحراء ولا يوجد اختلاف كبير بين كافة قبائل الجزيرة العربية في هذا المجال!!. لفت نظري الاهداء البار الذي حمل مشاعر الوفاء حيث قال المؤلف: "إلى تلك البدوية الفاضلة التي لا تقرأ ولا تكتب ولكن قلبها ولبها وحسها وحدسها يبدعان من الفن كل جميل أصيل.. شغفت بعمل السجاد فحفظت لنا تراث الآباء والاجداد فناً راقياً شافياً.. إلى أمي الكريمة.. أقدم هذا الكتاب.. تحية لنبلها وتقديراً لفضلها".. وجاء الكتاب في 576صفحة على ستة فصول وكل فصل قسم لعدد من الاقسام وهو في كل الاقسام يعرف ويشرح ويقارن مستعيناً بشواهد من الأمثال وشواهد الشعر العربي الفصيح وكذلك شواهد الشعر النبطي وإن كان جل الشعر النبطي لشعراء قبيلة الشرارات وبعضها ينشر لاول مرة؛ والكتاب يتضمن اشارات لغوية ومعلومات تاريخية ولمحات أدبية مفيدة للمهتمين بالثقافة الشعبية والباحث في كل ذلك يتكئ إلى حوالي الأربعين مصدراً اضافة إلى الروايات الشفهية التي تقارب هذا العدد مع ما تكتنزه ذاكرة هذا الباحث الكبير من معارف وخبرات. وسنلقي بعض الضوء على محتويات فصول الكتاب ليشرف القارئ الكريم عليها: - الفصل الأول: تضمن الحديث عن بيوت الشعر بصفة عامة حيث قسمه المؤلف إلى ستة اقسام وشمل أهمية بيوت الشعر، وأسماء البيوت حسب ما دعت إليه الحاجة كالخباء والقطين والنجع والفريق، وعادات وتقاليد بناء بيوت الشعر، وأسماء أعمدة بيوت الشعر وما تستلزمه من المنسوجات، وأخيراً أجزاء بيت الشعر ومكوناته؛ ومن معلومات هذا الفصل التي ننقلها للقارئ مواصفات منازل بيوت العرب في البادية حيث: 1- لا ينزلون على الخبارة، 2- لا ينزلون على دمنة الدار، 3- لا ينزلون على مطلق مراح العرب الآخرين، 4- لا ينزلون خلف البيوت، 5- يحرصون على نزول الأرض العدف والأرض البراح، 6- لا ينزلون مجاري الأودية ولا مراغة الابل ولا الحجارة، 7- ينزلون خلف آبار المياه لتكون امامهم لينظروا إلى الابل عند وردها وليرى بيوتهم الضيوف الواردون. - الفصل الثاني: وتطرق فيه إلى الصباغة على أربع اقسام شملت الصباغة عند العرب والألوان ومسمياته، وأنواع الصباغ وأسماء الصوف المصبوغ، وصباغة المنسوجات ونباتات الصباغة واستعمالاتها، وصباغ الشواليق وهي الأصواف المغزولة التي تصبغ بالألوان المتعددة، وأخيراً ألوان الشواليق ومسميات درجات صباغتها وكذلك اسماء مواد الصباغة المشهورة في بادية شمال الجزيرة العربية. - الفصل الثالث: تناول فيه المؤلف موضوع الدباغة وقسمه على ثلاثة اقسام تحدث فيها عن الدباغة وموادها ونباتاتها وطريقة تصنيع الجلود ومراحلها ثم تحدث عن الخرازة وما يتعلق بها ثم يشير إلى اهتمام العرب بالجلود قديماً ومسمياتها وأهميتها واستعمالاتها وأنواعها بتوسع معرفي جميل ومن المعلومات التي نشير اليها في هذا الفصل طريقة صناعة (الرب) حيث يستخرج من بعض النباتات دبساً يسمونه (الرب) يوضع في المداهن وهي الجلود التي تتخذ للدهن وذلك قبل وضع الدهن فيها والنباتات التي ذكرها المؤلف الطرثوث والأرطي والمصع والعنب والتمر واستشهد ببيت عمرو بن شاس: فإن كنت مني أو تريدين صحبتي فكوني له كالسمن رب له الادم - الفصل الرابع: جاء في قسمين الاول تحدث فيه عن الغزل والنسيج واهتمام الرعاة بالوبر والمنسوجات الخاصة بزينة الابل كالطوق والدبدوب والمباري والشرشوح والجنائب والسفيفة ووصف الشملة أو الشمالة وما يتعلق بها وكيفية صناعة الحبال، اما في القسم الثاني فتناول جلود الابل وفوائدها في صناعة الحبال ومستلزمات الهوادج والاظعان وفرق بين أنواع الحبال كالقيد والكتاف والركاس والوهق والحجاز والربق والهجار والمحص والمريرة والقران والعقال وغيرها. - الفصل الخامس: وخصصه المؤلفه للامثال المعروفة عند العرب في النسيج ومرادفاته ومنها (ماذاق لذا الميركة والشداد)، (اختلط غزله). (يضرب الكلب العميته)، (المنايا على الحوايا)، (استطيع يابيت الشعر)، (خلها بيني وبينك خياط جوخ). - الفصل السادس: وهو أطول فصول الكتاب حيث استغرق 222صفحة في ستة اقسام تحدث فيها عن الظعن ومنسوجات والهوادج وأنواعها وزينتها ثم تحدث عن العدول والحمول ومستلزماتها ومسميات الابل التي تركب ويشير إلى بعض المصطلحات المتعلقة بالرحيل والهجن وزينتها ومستلزماتها كالخرج والشداد والنطع والمزاهب والمزاود ويتطرق إلى صناعة الميارك والأرسان وغيرها ويفصل في كل ذلك تفصيل المستقصي الخبير. ورغم غنى المادة العلمية للكتاب والجهد المبذول فيه فلم تكن طباعته واخراجه بالصورة التي يستحقها وكان المأمول من مراكز البحث العلمي في بلادنا ان تتولى طباعة مثل هذه المؤلفات ونشرها وتشجيع مؤلفيها لتعلقها بتاريخه الوطن وتراثه، وإذا تجاوزنا عن الاخطاء الطباعية التي لم يسلم منها حتى اسم المؤلف؛ فإن خلو الكتاب من الفهارس أمر غير محبذ للقارئ وللباحث على حد سواء، كما لاحظت تكرار مناقشة بعض الموضوعات وإعادة بعض المعلومات في أكثر من موضع في الكتاب وأرى انه يحتاج مراجعة في ترتيبه وتبويبه وتنسيقه ليتناسب مع حجم مادته العلمية ومباحثه الأدبية التي تشكل مرجعاً لا يستغني عنه الباحث في الثقافة الشعبية بصفة عامة؛ والكتاب يصدر في طبعته الاولى 1428ه - 2007م عن دار الموروث الشعبي للطباعة والنشر والتوزيع.