في الجنادرية تعوّدنا أن نرى صورة الحاضر وهي تمتزج بالماضي، والثقافي بالسياسي، والوطني بالعالمي، ولذلك فهي مهرجان تتلاقى فيه الحضارات والمعارف، وهو هدف سعى له خادم الحرمين الشريفين مبكراً عندما كان رئيساً للحرس الوطني، وكانت غايته أن يجعل من هذه المؤسسة مركزاً لا يقتصر على بنائه الأساسي الأمني، وإنما تتنوع داخله اتجاهات علمية وتربوية وثقافية، وبالفعل وجدنا الحرس يغرس مفاهيم جديدة أعطت للمملكة دلالات مختلفة، وجعلتها من خلال المهرجانات التي تنعقد بها، وجهاً آخر يغذي صورة إنسان متنوع الاختصاصات والمفاهيم، والتطلع إلى حياة أكثر غنى في قضاياه الخاصة ووظائفه المتعددة.. الملك عبدالله الذي يفتتح مهرجان هذا العام يقف قامة كبيرة في نشاطاته الداخلية والخارجية، معطياً للمملكة بعداً آخر ونفوذاً أكبر ليس على الساحات الوطنية والعربية، وإنما على الميدان العالمي الذي تشابكنا معه في السياسات والمصالح بعلاقات متنامية على أكثر من صعيد واتجاه.. فالغاية هنا ليست فقط جعل الاتجاهات تسير وفق نمط واحد مثل تبادل المصالح الاقتصادية، وإنما فتح أبواب المعرفة بإيجاد قاعدة علمية تقودها جامعات وكليات حديثة تكون جاذبة للعلماء والاختصاصيين باعتبار التنمية البشرية هي الإطار والمحتوى لأي نهضة تتجه نحو المستقبل البعيد، وهنا وجدنا الخطط الطويلة المدى التي ذهبت إلى بناء المدن الاقتصادية المتنوعة النشاطات، حتى لا نبقى أسرى الدخل الواحد، وبتنامي هذا الاتجاه مع بناء قاعدة تربوية وعلمية نستطيع أن نصل إلى غاياتنا التي خطط لها الملك عبدالله. الجنادرية إذاً، هي ملتقى لرؤية تسعى لها المملكة في الإطارين الداخلي والخارجي، وفي تنمية العلاقات مع وجوه عربية وعالمية نريد أن ترى الوجه الحقيقي لهذا البلد الذي يخطط لأن يكون منارة روحية وعلمية، وهي إرادة لابد من صنعها من الداخل بالاعتماد على إنسان هذا الوطن، والذي يملك القابليات التي لا تطرحه كمشروع يبقى عبئاً على دخل ريعي، وإنما لإنجاز مهمات كبيرة لابد أن ترى النور مقترنة بالفعل المنتِج والنشط.. ما يرمز له الملك عبدالله ليس فقط البعد الآني، وإنما تحقيق نتائج على مستوى ما يراه في المستقبل البعيد، خاصة وأننا ندخل في سباق محموم مع عالم سريع القفزات والتطور، وبالتالي فلابد من إيجاد عقد مع الزمن في إنشاء منظومة أعمال تؤهلنا لأن نصل إلى غاياتنا العليا، ومن هذا المفهوم نريد أن يرى كل من يصل إلى هذا الوطن أننا لسنا حقول نفط وصحراء، وشمساً تسطع على مدار العام فحسب، وإنما قيادةٌ وإنسان تتلاقى فيهما مبادرات العمل وإرساء دورة جديدة تضيف للمنطقة والعالم مبدأً راسخاً لا يذهب للحروب والإرهاب، وإنما لخلق الفرص المتكافئة، وجعل القوى العالمية شريكاً في تنمية التطور الذي نجده طريقنا إلى الإنسانية، وبكفاءة وأهداف السلام الذي هو عنوان التعايش والعطاء الدائمين..