أكد رئيس مجلس إدارة معهد الإسكندرية العالى للإعلام، وأحد معاصرى نشأة مهرجان الجنادرية الدكتور "محمد فتحى عشرى" أن الجنادرية تمثل تجمعا محليا وعربيا وإٍسلاميا وعالميا يحضره الأدباء والمفكرون والمثقفون من أنحاء العالم قاطبة إنطلاقا من فهم عميق لأهمية دور المهرجان ومحاوره التى تعنى بثقافة الفرد والمجتمع فى عصر يموج بالافكار والأيديولوجيات . كما نوه أيضا إلى الدور الريادى للحرس الوطنى السعودى فى مجال الثقافة بمفهومها الواسع لتحقيق السياسات الحكيمة التى رسمها أولى الأمر فى المملكة العربية السعودية من خلال رؤيتهم العامة الإيمانية الشامخة شموخ أصالة هذا البلد الأسلامى العظيم . وإلى نص الحوار ..... بصفتك احد الأكاديميين الذين ساهموا في مهرجان الجنادرية هل لك ان تحدثنا عن فكرة المهرجان وكيف بدأت؟ مثل كل الأحلام الكبرى التى بزغت منها مشاريع عملاقة طورت مجتمعاتها أنطلق منذ ستة وعشرون عاما مهرجان الجنادرية بخطى ثابتة كأهم مشروع تراثى ثقافى فى العالم العربى وذلك تحقيقا لحلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز راعى المهرجان وصاحب فكرته وأطلقه فى سماء الواقع برؤية واضحة ومحددة تستند على الإيمان بالله وأن الثقافة هى وسيلة الشعوب لتحقيق التقدم والتنمية، كما كان لفكر المغفور له معالى الشيخ عبد العزيز بن المحسن التويجرى أثرا كبيرا فى أتساع روافد المهرجان الوطنى للتراث والثقافة وأصبح يشكل دعوة حضارية للبناء الروحى والفكرى للإنسان إينما كان موطنه ، وترسيخ قيم المواطنة وإبراز قيمة المرأة ووعيها بحركة الفكر الأدبى والثقافى فى المجتمع السعودى . قلت بأن هناك تغييرات طرأت على المهرجان هل اقتصرت هذه التغييرات على البرنامج المصاحب للمهرجان أم تعدته إلى الجوهر؟ الإبداع حالة ملازمة للإنسان كأحد وسائله التعبيرية ، ولقد تغيرت أفكار الناس كما تطور وعيهم الثقافي باتجاه أكثر عقلانية فأصبح الإنسان السعودى يتمتع بثقافة عالية ومتنوعة وفى ظل الإعتماد على العقل لم تعد الثقافة الشعبية هي فقط المبتغاة في تفسير مظاهر الحياة والكون . والشعب السعودى كغيره من الشعوب له تاريخه وتراثه وفنونه الخاصة التي يعبر من خلالها عن أفكاره وتطلعاته . فإذا ما كانت هناك سمات عديدة لم تمس فى التراث الشعبى السعودى فإن المهرجان قد أتاح فرصة لفنون أخرى مثل التصوير الشعبي المتأثر بالعقيدة أن يتجاوز وظيفته الأساسية وهي تزيين حياة الإنسان العادي إلى التدخل في الأمور اليومية للناس بوصفه حدثا إجتماعيا وسياسيا وثقافيا . ولقد ساعد على ذلك إستحداث الفنان السعودى لتقنيات فنية جديدة من خلال تجربته الشعورية والتطبيقية التى لم تكن أبدا الخالف للفن الشعبى بل كانت عاملا من العوامل التي طورت منه وأزالت عنه النظرة الدونية التي تعامل بها النقاد والباحثون معه ، حتى جاء مهرجان الجنادرية وأعاد لهذا الفن تقديره اللائق بمكانته بين الفنون العالمية وأصبح الفنان والفنانة السعودية بين البوتقة العالمية للفنانين . إذاً هل أُريد للمهرجان من البداية ان يكون مهرجانا يهتم بالموروث الشعبي، ام مهرجانا ثقافياً نخبوياً؟ كان الهدف الأول للمهرجان هو إبراز الهوية التراثية والثقافية للمملكة وهو الشق الذى أرتبط بالموروث الشعبى فى بدايات عمر المهرجان، ثم تطور الأمر وبتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وضع القائمون على المهرجان أفكاراً بناءة للحوار مع الثقافات الأخرى دون أي تبعية أو خروج على الأصول التاريخية والفنية والشعور العام للناس ، وهو ما شكل إهتماما من المهرجان بنخبة ثقافية يمكنها إعطاء الحيوية _ داخل المجتمع السعودى والوطن العربي الإسلامي _ لثقافة حفاظ أصيلة ومنتشرة بمحدداتها يمكنها تقديم تفسيرات لنظريات الحفاظ على التراث إعتمادا على عوامل عدة من بينها الإحساس بتاريخ الجزيرة العربية ذى الجذور البدوية والمستوى الثقافي والعلمى والحضارى الذى وصل إليه المجتمع السعودى . من وجهة نظرك، ما الدور الثقافي المأمول من مهرجان الجنادرية ليؤديه؟ استطيع القول بان المامول من هذا المهرجان العظيم، أن يضع آليات جيدة للاستفادة من جميع الطاقات الإبداعية والشخصيات الفكرية والثقافية في جميع أجزاء الوطن، وإيجاد تناغم مع الخطابات الفكرية المختلفة خارج الوطن، وإيجاد ألوان من اللقاءات والحوارات الفكريةوالثقافية المتنوعة التي تقدم على شكل ورش عمل بعيدا عن نمطية المحاضرات والندوات المختصرة لتصوغ خطابا فكريا يقوم على التنوع والثراء والتعدد. والاهتمام بالجانبين الثقافي الفكري والتاريخي الشعبي من خلال المهرجان بشكل أكبر باعتبارهما يمثلان هوية أبناء الوطن. زيادة الاهتمام بالمحتوى الثقافي والتفعيل النوعي للندوات من خلال طرح الرؤى والأطروحات المواكبة للعصر. والإستفادة من المثقفين والمبدعين الذين يزخر بهم الوطن في جميع أطرافه وتكثيف الفعاليات الثقافية بما يتيح لأبناء الوطن المشاركة في فعاليات هذا العرس الثقافي الرائع. هل ترى أن المهرجان ساهم في المحافظة على الهوية الثقافية للمملكة؟ إن ملكية التراث الثقافي حق لكل أمه ولكنه ليس حكرا عليها ، لذا زادت نداءات المطالبة بالحفاظ عليه، فإذا ما كان الشعب العربي يجمعه ويوحده دين وتراث ولغة وأهداف وثقافة واحدة ، فإن مهرجان الجنادرية يبدو وسط العالم العربي لديه الكثير من الأسس الكفيلة لإنشاء مدرسة خاصة به للحفاظ على تراث المملكة العربية السعودية وفق خصوصيته الثقافية وحسب قدرته التقنية والمادية أي بتوافقية التطبيق. وهو ما يطرح تساؤلات بصدد أصالة الفن وتعلقه بالنمط السعودى العربى الأسلامى ، وعلى ذلك كانت إسهامات المهرجان ممثلة فى توضيح فكرة الحفاظ على التراث الثقافي كذاكرة للمجتمع السعودى بحيث تجعل منها حاجة اجتماعية وإنسانية وليست شئ عابر ، لذا يوجه المهرجان خطابه ليس فقط إلى النخبة بل لجميع أفراد المجتمع لأن لهم دورا مهما في الحفاظ على تراثهم . كيف كانت مشاركة المثقف السعودي في المهرجان فترة البدايات؟ إذا نظرنا إلى ديناميكية المهرجان نجده قد أصبح بوتقة يتفاعل بداخلها المثقفون المهتمون بالأسهامات السعودية المتنامية فى الثقافتين الاسلامية والعربية ، حيث تحقق ما كان يصبو إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من إدخال رابطة العقل فى نظرتنا للبعد الثقافى داخل الحضارة الشرقية ، وهو ما كان أيضا نتاجا للرؤية الثاقبة التى أشار إليها معالى المغفور له بإذن الله الشيخ عبد العزيز التويجرى وتولاها طيلة حياته الممشوجة بهم الهوية الثقافية العربية والأسلامية . وعلى ذلك تبدو مساهمة المثقفين فى مهرجان الجنادرية أكثر من كونها تفاعلا ثقافيا إنما هى مساهمة منهجية متميزة فى إطار نهضة ومستقبل المملكة فى كافة المجالات والمناحى . قدم المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية منذ 2/7/1405ه الأن من خلال نشاطاته المتنوعة بعضاً من أهدافه المرسومة في تأكيد الاهتمام بالتراث السعودي، ما هي أبرز الأنشطة المصاحبة للمهرجان؟ منذ إطلالته الأولى تأكد نجاح مهرجان الجنادرية ، والأدلة على ذلك عديدة وأبرزها إنشاء قرية متكاملة للتراث تضم مجمعا يمثل كل منطقة من مناطق المملكة ويشتمل على بيت وسوق تجارى وطريق وبها معدات وصناعات ومقتنيات وبضائع قديمة. وضم عددا من الفعاليات من أبرزها الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية والعروض الشعبية والاوبريت وصاحب كل ذلك معرضا للكتاب . في رأيك كيف ساهم مهرجان الجنادرية في تسويق الثقافة السعودية نحو الشعوب الأخرى؟ لقد استطاع المهرجان أن يعكس ملامح الثقافة والتراث في المملكة العربية السعودية وهو ما حقق توجهات خادم الحرمين الشريفين ليصبح مناسبة وطنية تمتزج في نشاطاته عبق تاريخها المجيد بنتاج حاضرها الزاهر، وربط المواطن السعودي بماضي أبائه وأجداده وتعريفه بما كانوا يستخدمونه في السابق في حياتهم اليومية وفي أعمالهم وحرفهم، فضلاً عن إقامة ندوات النشاط الثقافي المؤكدة على الهوية العربية الإسلامية وتأصيل الموروث الوطني السعودى بشتى جوانبه، وإبراز ما يمثله من إبداع إنساني فكيف تقيم حضور المرأة السعودية في مهرجان الجنادرية منذ البدايات الأولى للمهرجان وحتى الأن؟ إذا نظرنا إلى الوعى بحركة الفكر الأدبى والثقافى التى أتاحها المهرجان للمرأة السعودية نجده قد عزز دور المرأة السعودية والعربية داخل مجتمعاتها الموسومة بالذكورية فكان حضور المرأة السعودية حضورا مميزاً في فعاليات الجنادرية الثقافية والتراثية منذ انطلاقه حيث حفل برنامج النشاط الثقافي النسائي بالعديد من الفعاليات ومنها معرض الفن التشكيلي والعديد من المحاضرات والامسيات الشعرية الى جانب عروض التراث من اللوحات الفنية المعبرة عن الأنتماء للوطن وما يعكس حياة الناس ونمط الحياة السائدة قديما . من وجهة نظركم، هل ساهم مهرجان الجنادرية في تحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عن القيم والثوابت للمجتمع السعودي؟ بالطبع كان للمهرجان تأثيره المباشر على الوجدان العربى فقد ساهم إيجابيا فى تحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عن القيم والثوابت للمجتمع السعودى بفضل النخبة السعودية التى يحتضنها المهرجان من أصحاب العلم وأرباب الفكر والادب الذين طرحوا قضايا فكرية وثقافية وسياسية وأجتماعية تحتمل الرأى وضده بغرض الوصول لطرح موضوعى يهدف إلى إحداث رؤية أكثر شفافية وعقلانية للتقريب بين الحضارة الحديثة بمعطياتها وبين القيم والثوابت التى بنى عليها المجتمع السعودى العربى المسلم ، حيث البارز فى هذا المهرجان وجود أطروحات كانت بمثابة نهج اصيل للنموذج العربى المتوارث والمكنون بفكر وتراث أسلامى. اوبريت الجنادرية متى بدأ؟ ومن صاحب فكرة الاوبريت الوطني في الجنادرية؟ بدأ العمل الفنى فى المهرجان الاول عام 1405 ه عبر المسيرة التى كانت تتخللها أستغراضات فلكلورية شعبية من كافة مناطق المملكة الى جانب الحفل المسائى الرئيس الذى تتخلله عروض والعاب شعبية بما كان يمثل تمهيدا جميلا لأعمال فنية قادمة، فبدأ أول أوبريت موسيقى أسٍتعراضى عام 1408ه خلال الدورة الرابعة حيث أطلق عليه "مملكتنا دام عزك" . ثم تلى أول أوبوريت معمول خصيصا للمهرجان بأسم "عز الوطن" الذى تم فيه إدخال الفنون الشعبية ورقصات الفرق الشعبية من كل مناطق المملكة ، ثم أخذ الحرس الوطنى المنظم لهذا المهرجان إنتاج مثل هذه الأوبوريتات التى كانت مطلبا شعبيا وفنيا يأخذ باشكال الفولكلور السعودى بتعدد ألوانه ومناطقه فى صورة جماعية ولوحات زاهية مما شكل فى محصوله إضافة مهمة للعمل الشعبى والفنى والأبداعى . ثم جاء فى عام 1412ه أوبوريت "وقفة حق" وذلك أثناء فترة عصيبة على الامة العربية عند غزو دولة الكويت ، ثم تلاه أوبورت أرض الرسالات والبطولات الذى كان عملا موسيقيا متكاملا من حيث الكلمة القوية وتمازجها مع اللحن إضافة إلى التنفيذ الجيد بعد ذلك توالت أوبوريتات عديدة نذكر منها "كفاح أجيال" الذى يحاكى فكرة تأسيس الوطن على يد المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، وأيضا فى عام 1428ه حينما كانت الهجمة الشرسة على الأسلام وإلصاق تهم الإرهاب بالمسلمين جاء الاوبوريت "أرض المحبة والسلام" مدافعا عن عظمة الإسلام وبراءته مما ينسب إليه ، فكان الاوبريت حريصا على بيان الثقافة الإسلامية وهديها لأبنائها بما يجعلهم دعاة خير ومحبة وعدل وسلام