لا أحد يستطيع إنكار شرف النضال الفلسطيني، وعزيمته الهائلة التي كسرت الحواجز وأعطت للعرب والعالم دروساً في قدرات الإنسان غير المحدودة حين يؤمن بقضيته ويجعلها هدفه في الحياة والاستشهاد.. سجل البطولات لهذا الشعب بنسائه وأطفاله وكبار السن فيه مضرب مثل تحول تاجاً على رؤوس كل الشعوب، لكن المأساة أن هذا الفعل العظيم بددته القيادات التي لم تستطع أن تشفى من المرض العربي باستعمال النفاق السياسي وسيلة كسب، وعندما يفقد الفلسطينيون وحدتهم الوطنية لأسباب ليست جوهرية، وتنشق حماس عن فتح، وتتشرذم بينهما بقية الفصائل وينقسم حولهم العرب المؤيدون بإخلاص، والمستغلون لهذه الخلافات وتجييرها لمصالح استراتيجية عمياء، فإننا نؤمن بأن المشكلة أخذت بعدها من خارج مواليد رحمها عندما دخلتها عناصر تفجر الأزمات وتستفيد منها.. غزةالمدينة الأم والحاضنة لأكبر تجمع فلسطيني على أرضها تعيش حالات موت بأساليب القتل، وموت آخر بسبب الحصار الذي جرد إسرائيل من وجهها الذي تدعي أنه الإنساني والحضاري، وحين كسرت النساء الفلسطينيات الحصار على الحدود المصرية بسبب ضغط الدواء والغذاء، والمياه الصالحة للشرب، وعندما استعملت إسرائيل سلاح قطع الوقود الذي شل حركة الحياة في المدينة الكبرى، كان التعامل المصري أكثر حكمة وإنسانية بالرغم من حساسية أن يدخل أراضيها مئات الآلاف مما يسبب حرجاً لسيادتها لكن الرئيس حسني مبارك واجه الموقف بكفاءة إنسان يدرك مدى حاجة الفلسطينيين لاحتياجاتهم الأساسية، وحتى الضغوط الأمريكية - الإسرائيلية تعامل معها بالواجب العربي والإنساني وهذا الموقف يسجل لمصر شعباً وقيادة لأنها واصلت دعمها لشعب يتعرض للإبادة بأساليب وحشية فاقدة لأبسط أخلاقيات الإنسان.. هناك حاجة لعمل عربي جاد بإعادة وحدة الفصائل الفلسطينية التي تعد أقل من الانقسامات اللبنانية التي تبقى عبثية أمام شعب أمضى نصف قرن في نضال دائم وأمام عدو واضح المعالم والأهداف، وحين نقول عمل عربي، فإننا نقصد أن يرتفع الواجب إلى المسؤولية بأن لا يجعل بعض العرب خلافات الفلسطينيين جني مكاسب وأوراق مساومة لقضايا أخرى، ليست في صلب القضية وتعقيداتها.. صحيح أنه جرت حروب مع إسرائيل، أحدثت استنزافاً مادياً وبشرياً وتضحيات كبرى، وأن الشارع العربي كان له وزنه في تحريك المشاعر والوقوف بنقاء فطري مع الشأن الفلسطيني، وتلك كانت ضريبة حياة أمة واجهت مواقفها بشجاعة وإن أخطأت في استراتيجياتها وبعض حروبها، وحتى لا يختل التوازن العربي من أجل هذه القضية فالواجب القومي والأخلاقي يفرضان الحيادية التامة، والرفض التام للانقسامات الفلسطينية، وإلا فإن من يدخل بها لمصالح سياسية، لا يقل تخريباً عن إسرائيل لأنه يستعمل سلوك الصديق العدو..