ازدهرت الصحف المصرية ليوم أمس بصور الرئيس حسني مبارك وهو يسلم الجوائز لعشرين من العلماء والباحثين المتفوقين ..وقد تراوحت الجوائز ما بين المئة ألف جنيه والخمسين ألفاً.. ومسألة أن يوجد في مصر عدد من العلماء يتفوقون ويستحقون التكريم أمر طبيعي.. لكن المفاجأة.. أو ما ليس معروفاً لدينا.. المفاجأة بالنسبة لي هو أن طالباً اسمه هيثم محمد دسوقي بكلية الهندسة في جامعة الأزهر قد حصل على التكريم لأنه حصل على المركز الثاني في المعرض الدولي للمخترعين.. الخبر عادي جداً في مصر حيث الأزهر أضخم وجود إسلامي وعلمي في مصر وليس منزوياً أو متحفظاً برداء عزلة خاص.. هذه الموضوعية فيه هي التي أعطته المناعة ضد تطرف الجماعات الدينية في مصر والتي استعصى عليها أن تستميل الأزهر أو تنطلق منه.. هذا أمر معروف بدليل أنها لم تحقق أي شعبية مؤثرة في بلد تواجدت فيه مختلف منطلقات الفنون قبل ثلاثة قرون.. وليس صحيحاً أن يقال بأن الدولة تحجب شعبيتهم حيث لو كان لهم شعبية لوصلوا إلى المنظمات الاجتماعية المختلفة ومنها إلى البرلمان حيث بقوا في عزلة الأقلية.. ولا أستغرب أن يتفوق طالب أزهري في منافسات اختراع دولية يحقق بها المركز الثاني حيث أعرف أن شيخ الأزهر المرحوم عبدالحليم محمود قبل أربعين عاماً حصل على الدكتوراه في وقت سابق من جامعة السوربون وبالفلسفة، وقبله طه حسين الذي يكفيه تأليفه كتاب الفتنة الكبرى أهم دراسة عالجت أخطر فتنة مرت بالإسلام.. وقد درس طه حسين في الأزهر ثم ابتعث إلى السوربون.. أستعيد هذا الماضي لمكاسب الأزهر ومشاركات مسؤوليه في تطوير الدراسات الإسلامية والعلمية وتأكيد أن العلم ليس متضاداً مع الإسلام.. بل إن الدولة الإسلامية في عصر ازدهارها هي التي نقلت إلى الغرب الذي نأخذ منه الآن جديد العلوم.. نقلت إليه أسس دراسات الطب والفلك وغيرها من العلوم.. أتوقف عند هذه الملامح الجيدة للأزهر والتي جعلته مصدر المناعة في مصر ضد انتشارات التطرف.. وأستغرب لمقال نشرته إحدى الصحف لدينا قبل عشرة أيام تقريباً يتحدث فيه كاتبه عن استغرابه لوجود كليات طب أو هندسة أو حاسب آلي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ويقول ما معناه: إذا أردتم فتح هذه الكليات فاستبعدوا صفة الإسلامية عن الجامعة.. منطق غريب وكأن خدمة العلم والتحضير الأكاديمي الجيد لمتخصصيه ليس غاية إسلامية.. إننا جميعاً مستبشرون بالواقع المتمكن الذي تمارسه جامعة الإمام حالياً ومنذ سنوات في مجالات تحديثها.. عندما كنت في لندن وبعدها في باريس أثناء احتفال اليونسكو جلست مع بعض المسؤولين عن شؤون الثقافة أو التمثيل الإسلامي السعودي في بعض دول أوروبا وتحدثوا عن صعوبة المعاناة التي عاشوها في البداية نتيجة الممارسة غير المتمكنة والمنطوية فكرياً عند من كانوا قبلهم.. والذين لم يتجهوا إلى الحوار وتقريب وجهات النظر بقدر ما اتجهوا إلى بث المفاهيم المنغلقة..