في خمود ثقافي وعلمي يلف العالم العربي والإسلامي لابد أن يلفت الانتباه بروز مصر بالحصول على جائزة نوبل أربع مرات في مجالات مختلفة.. ومصر ليست بلداً مترفاً يمكن أن يشكك بنزاهة حصوله على التفوق لكنها بلد لا يجوع فيه أحد.. وفي الوقت نفسه أعتقد أن القاهرة هي أكثر مدن العالم حضوراً في نفوس زائريها أو ساكنيها لانفرادها بأنها مدينة ممتلئة الذاكرة.. معظم مساحاتها وتنقلات ساكنيها مليئة بالفلكلور بدءاً بالبواب وسائق التاكسي اللذين لا تمل حديثهما وانتهاء بعبقرية نجيب محفوظ وتراث المرحوم عبدالرحمن بدوي الرائع وعالمية صيت المرحوم مصطفى عبدالرزاق والتداولات المثيرة ما بين طه حسين وعلي عبدالرزاق وأنها من جعل من المسرح ضرورة تشبه أهمية المادة الدراسية.. وقبل أن يعبر الجسد عن مضمون الكلمة في دول عربية أخرى فإن للأغنية بصوت أم كلثوم وعبدالوهاب ونجاة ووردة إيقاعاً لفظياً يبرز الصوت جماله وليس الجسد.. وإذا كان من المألوف خارج مصر أن يكون هناك صراع دائم بين التحديث الحضاري والمؤسسات الدينية فإن الأزهر في مصر هو في الواقع من قاد موكب التحديث الحضاري ولم يتوقف عند رغبة بعض معارضيه.. طه حسين أتى من الأزهر.. عبدالحليم محمود أتى في بداية السبعينيات من الأزهر وهو يحمل الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس في تخصص الفلسفة.. في حين أن مصطفى عبدالرزاق الذي أتى من الأزهر أيضاً مارس فعلاً تدريس الفلسفة الإسلامية في السوربون قبل أن يصبح شيخاً للأزهر.. الكلام نفسه من حيث التنوع الثقافي وحداثة المفاهيم يقال أيضاً عن المرحوم الشيخ محمود شلتوت.. في عالمنا العربي الذي يصر على ثقافة واحدة لا تستطيع أن تقول إنه في مقدورك أن تحصل على نوبل للعلوم لأن لديك كلية علمية تهتم بأبحاثه ولا في مبتكرات العلاج لأن لديك كلية طب جادة المنهج.. إنه لن يكون بمقدورك، بغض النظر عن ثروتك أو مكانتك، أن تحصل على تقدير علمي ما لم يكن لديك ثقافة عامة متفتحة وفي مصر ليس هناك حرب ثقافات.. الأخوان المسلمون حاولوا تسييس الدين ولم ينجحوا لأن الأزهر لم يتحول إلى رهينة في أيديهم ولكنه استمر يرعى تحديث وعي المجتمع.. ليت أننا نعي كيف تمكن الانفتاح الديني الواعي من قيادة مصر ليس إلى تكرار المؤلفات النظرية وإنما إلى تطوير البحوث العلمية وصقل مواهبها وتقديمها للعالم وثائق تقدير لوعي المجتمع المصري كمنتج أساسي لحالات الإبداع الأربع. أختم هذا الموضوع بملاحظة طريفة عندما قرأت الخبر الخاص به كنت كمن يدور برأسه لا معقول أفلام الخيال العلمي.. كان الخبر يقول: إنه عندما اعترض التلفزيون المصري على عرض مسلسل (بنت من شبرا) بطولة ليلى علوي فقد تمت إحالة موضوع الخلاف حول المسلسل إلى لجنة في الأزهر أتى قرارها بعدم الممانعة في عرضه..