كانت أحلامنا نحن المشتغلين في المشهد الثقافي أن تصبح الروايات واللوحات الفنية والقصائد والأعمال الأدبية رغيف الناس ووسيلة للترفيه ولغة للحياة والحوار والجمال، أن يكون الأدب مُشاعاً للجميع، من لا يكتب يقرأ لغيره، من لا يرسم يتذوق ويستمتع بلوحة فنان، ومن لا يكتب الشعر فهو يطرب لشاعر يعجبه، وأن يترجم الأدب السعودي لأعمال سينمائية أو تلفزيونية كما حدث مع الكثير من الأعمال الروائية العالمية التي جذبت المشاهد تحويلها إلى أعمال مرئية. شارع الأعشى وما أدراك ما أثاره هذا العمل الفني الأدبي الذي لم يلامس المشاهد السعودي فحسب إنما الخليجي، واستهوى العربي الذي بحث بين حلقاته عن أسرار ذلك المجتمع الذي ظلت لزمن أسواره عالية ذات خصوصية يحب الآخر سبر أغوارها. كما لهذا الاسم من دلالات عميقة لوجوده حقيقة في حي منفوحة وهو من أهم شوارع العاصمة الرياض، والمسمى على أهم شعراء العرب الأعشى قيس الشاعر الجاهلي المعروف والمأخوذ من رواية الكاتبة بدرية البشر التي حرصت عند تحويل روايتها للمسلسل التلفزيوني أن تتابع تفاصيل هذه الصناعة التلفزيونية في أدق خطواتها، والتجاوب مع الجمهور العريض عبر وسائل التواصل الإلكتروني. وبعد بث حلقته الأخيرة وفي رحلة الممثلين لزيارة مناشط متعددة وفعاليات رياضية وترفيهية يلتقون جماهيرهم كان طعم النجاح باذخاً فاخراً تفاعل معه نجوم الفن السعودي كالقديرة إلهام علي وآخرين ووجوه جديدة أبهروا المشاهد الذي بدأ يفتش عن سيرهم الذاتية ويبحث من يكون هؤلاء المبهرين. شارع الأعشى صنع حراكاً جميلاً في المجتمع السعودي الذي اجتهد يستذكر مصطلحات وحكايا قديمة عاشها أو سمعها من الآباء والأجداد، وأصبحت اللهجة العامية مثار اهتمام الجيل الحالي الذي اجتهد في استخدام اللهجة الخاصة بمنطقته فأحياها بالممارسة، كما نشط مستخدمو التقنية لكتابة آرائهم وملاحظاتهم ونقدهم عن المسلسل في تفاصيل دقيقة. في دعوة الأستاذة سارة الخزيم - صاحبة صالون سارة الثقافي في الخرج - لي على عشاء مع صديقاتها العزيزات قالت إحدى الحاضرات: لو الدكتورة البشر تجلس معنا ستستلهم الكثير من قصصنا لشارع الأعشى. سجادة سعد ( الزولية) على الحائط، جمعة العائلة حول سفرة الطعام، التلفزيون الملون الذي يجتمع حوله صبية الحارة، رش قطرات الماء لترطيب الأرض قبل وضع الفراش عليها، الفرق بين نساء البادية والمدينة في اللبس والتفكير والجرأة، حلقة الدرس في المسجد، لبس عباءة الرأس إشهار ببلوغ الفتاة والكثير من التفاصيل لم يغفلها فريق العمل وهي من البيئة السعودية التي قد يكون غطى ملامحها العصر الحديث واقتصرت على المتاحف الخاصة وذاكرة كبار السن إضافة لكتب الرحالة وتاريخ الجزيرة. الرواية التي ترجمت لعمل تلفزيوني أزهرت وأثمرت جماهيرية كبيرة هي من نتائج الأدب والفن وحراك الرؤية وقد فتحت المجال لجزء ثانٍ اجتهد به المشاهدون الذين أعطوا سيناريوهات كثيرة له. ترجمة الأدب السعودي لأعمال فنية هي خطوة مهمة ولو جاءت متأخرة للتعريف بتراث وحكاية المملكة العربية السعودية وتقديمها للآخر فالفن جسور وأوعية وشرايين ومرايا صادقة للآخر. بانتظار الجزء الثاني الذي قد يعطي فرصة أكبر لاستدراك الأخطاء في الجزء الأول وإضافة ما يثري المحتوى وكل عمل والوطن يضيء في تفاصيله.