ارتبطت جميع حضارات الدنيا -بما فيها الحضارة الإسلامية- بمختلف الآداب والفنون والإبداع الحر، ولم يكن بينها على تعاقب أزمانها وبين المجتمع تنافر أو تضاد، بل تصالُح جميل يعكس إيمان تلك الشعوب والدول بأهمية الآداب والفنون ودورها في تهذيب الذوق وإرهافه وإشاعة القيم الإنسانية والتحضُّر وقبول الآخر والالتقاء معه في أرضية وعي مشتركة. ولا تقتصر أهمية الفنون على اختلاف أنواعها في عصرنا الحديث في كونها صناعة اقتصادية مهمة ورافداً مهماً للتنمية بل إنها صناعة وأداة لترسيخ وعي الشعوب وفكرها متى ما ابتعدت عن الأدلجة والتحشيد القطيعي، وساهمت بشكل حاسم في أنسنة الأفكار والقيم وشذّبتها من حمولاتها الفكرية الشريرة والمتنافية مع الأخلاق والحق والجمال. ولعلنا لا نضيف جديداً حين نؤكد على أن الفن الهادف الذي يلامس جوهر العاطفة يساهم بفعالية في تأطير العلاقة بينه وبين الأخلاق والقيم الروحية المختلفة. ومن المهم الإشارة إلى التغيير في المنظومة الفكرية وتحولها من الانغلاق إلى التسامح مع الفنون مما يعني إيماننا بضرورة إيلاء الفكر والروح العناية اللازمة في التزود من الفنون والآداب وترسيخ حضورها كأداة وعي وثقافة مجتمعية تنشر التسامح والخير والجمال وتحرر العقل الدوغمائي من تصوراته الموهومة تجاه الفنون وربطها الاعتباطي بنشر الأفكار المدمرة أو المتضادة مع الدين. الحراك الثقافي الدولي اللافت الذي تشهده بلادنا والاتفاقيات المبرمة في مجالات فنية وثقافية مختلفة يقودها عراب التغيير سمو ولي العهد ويشهدها وزير الثقافة والإعلام هو حراك مبهج وباعث على الفرح والأمل ويؤكد أننا نمضي سراعاً باتجاه النور والضوء والثقافة ونصنع مستقبلاً باسماً ووضيئاً لجيلنا وللأجيال المقبلة التي هي على موعد مع ومضات النور والإشعاع الحضاري عبر مشروعات ثقافية تضعنا في مقدمة الدول المتحضرة. فعاليات عديدة واتفاقيات في ذات الاتجاه شهدتها باريس عاصمة النور منها إنشاء أوبرا وأوركسترا ومشاركة في مهرجان كان الدولي وغيرها من المحافل الثقافية العالمية المهمة تؤكد هذا التوجه المشرق. لا شك أنها مرحلة تاريخية لافتة تبرز فيها الثقافة والفن في المملكة وتطل على العالم، رؤية متبصرة تنطلق من رؤية 2030 التي وضعت الفن والثقافة في عمق اهتماماتها. Your browser does not support the video tag.