بين القيادة السعودية والمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» تاريخ عميق من الجذور الأصيلة، وأواصر تعميق المفهوم التراثي الذي يمثل مخزوناً استراتيجياً ضارباً في عمق التاريخ. فالمهرجان الذي تمثل دورته ال31، يجسد نقطة انطلاق سنوية متعددة الأهداف ومتنوعة الأصداء، محلياً وإقليمياً، بما يضمه من مثقفين وأدباء ومفكرين، وبما يعكسه من إشارات عابرة للحضارات، ومعبرة عما يمتلكه هذا الوطن من رصيد ضخم، لا يمكن تجاهله مهما تعددت التحديات. وبرأيي المتواضع، لا يمكن النظر للمهرجان من زاويته التراثية فقط، ولكن لا بدّ من وضعه في إطاره الصحيح، من أنه نقطة التقاء للثقافات وجسر حضاري يجمع الفكر الإنساني كأروع ما يمتلكه العقل البشري، مستلهماً روح الحضارة الإسلامية الأصيلة، وفي منبعها الأول.. أرض الجزيرة العربية. تعددية المهرجان، تأتي من كونه بوتقة صهر لمختلف الثقافات، يلتقي فيها الأدباء والمفكرون والمثقفون والإعلاميون ليس من داخل المملكة فقط، ولكن من دول عربية شقيقة وأخرى صديقة، تثري المعرفة وتعزز التقاء الحضارات وليس تصادمها المزعوم، وهنا عند هذه النقطة، نفخر بأننا أول من يرسي هذا التقليد الإقليمي وربما العالمي أيضاً. ويمكننا أيضاً، أن نستلهم من كلمات القائد الرمز، الملك سلمان بن عبدالعزيز في حفل استقباله ضيوف المهرجان «الجنادرية 31» من الأدباء والمفكرين.. ترحيبه بما اعتبره عملية إسهام مشتركة في إثراء البرنامج الثقافي للمهرجان، كونه «معلم إشعاع ثقافي سعودياً يجمع أبناء الوطن ومناطقه بتنوع تراثها وفنونها في صورة حضارية تعزز قيم الارتباط والوطنية والانتماء».. وفي الوقت نفسه تعزيز قيم «الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية وتراثنا وثقافتنا وأصالتنا من أوجب واجباتنا».. خاصة في ظل توقيت حرج يهيمن على العالم، وتتصاعد فيه دعوات الانغلاق والعزلة وبناء أسوار على الحدود، نتيجة ضلالات فكرية، وممارسات عنصرية أو فكرية تتسبب في مزيد من الحرج على مفهوم الفكر الإنساني الواسع والفضفاض بتعدده وتنوعه وثرائه المعرفي. وإذا كان معروفاً -كما قال الملك- أن مكانة كل أمة تقاس بمقدار اعتزازها بقيمها وهويتها، وهذا هو النهج الذي سار عليه قادة هذه البلاد المباركة في الاحتفاء بالعلم والعلماء.. فإن القيمة والهوية إنما تتجذّر عبر الارتقاء بالعقل البشري، وتحفيزه بكل قيم التسامح والرقي النفسي والوجداني ليشمل الجميع ضمن سنة الله في خلقه، وهي التنوع والاختلاف، وفهم الرسالة الإلهية الخالدة لكينونة الخلق، وهدفه الرئيس، وهو التعارف والتمازج، وليس التصارع والخلاف. تلك هي رسالتنا الأصيلة، وتلك هي دعوتنا النابعة من هذه الأرض الطيبة، وبإيمان القيادة والشعب، وهذا هو جوهر وصميم قيمة مهرجان الجنادرية.. الذي نلتقي فيه كل عام، وننصهر مع الآخر، دون أن نتخلى عن قيمنا وتقاليدنا، في رسالة للعالم كله، بأن هذه الأرض، بمثل ما هي منبع التسامح والإخاء، فإنها أيضاً أرض الالتقاء مع المشترك الإنساني بحثاً عن صيغة التعايش على أرض المحبة والسلام للجميع.