مع تولي الخليفة سليمان بن عبدالملك بن مروان الحكم في 96 ه، شهدت مكة تغييرات إدارية بارزة، حيث حرص الخليفة على إعادة تنظيم إدارة المدينة المقدسة، وتعزيز استقرارها لضمان سير مناسك الحج بسلاسة وأمان. جاء ذلك في إطار سياسته العامة التي اتسمت بقدر من العدل والتسامح مقارنة بسلفه، حيث سعى إلى تخفيف وطأة الحكم المركزي على الولايات، ومن بينها مكةالمكرمة، التي كانت تحظى بأهمية خاصة نظراً لمكانتها الدينية وموقعها الاستراتيجي داخل الدولة الإسلامية. تعيين طلحة بن داود واليًا على مكة إدراكًا منه لأهمية الإدارة الفعالة في مكة، قام سليمان بن عبدالملك بتعيين طلحة بن داود القرشي الحجلي واليًا على المدينة، حيث كان اختياره قائمًا على الكفاءة والخبرة في إدارة شؤون الحجاز. جاء هذا التعيين في وقت شهدت فيه مكة بعض التوترات في الفترات السابقة، مما جعل الحاجة ملحّة إلى والٍ قادر على ضبط النظام، وتعزيز الأمن، وتنظيم أمور الحج دون إثارة أي اضطرابات. تحسين الخدمات والمرافق للحجاج لم يقتصر اهتمام الخليفة على تعيين الوالي فقط، بل أولى عناية خاصة بتنظيم شؤون الحجاج وتطوير البنية التحتية للحرم المكي. في هذا الإطار، تم التخطيط لتحسين مرافق المسجد الحرام، حيث سعى إلى توسعة بعض أروقته، وتنظيم الطواف حول الكعبة، لضمان راحة الزوار الذين تزايدت أعدادهم مع توسع الدولة الإسلامية. كما تم تعزيز نظام السقيا، لضمان توفر المياه للحجاج والمعتمرين، وهو جانب كان الخلفاء الأمويون يولونه اهتمامًا خاصًا، نظرًا لأهمية توفير الموارد الأساسية لضيوف الرحمن. من الناحية الأمنية، شهدت مكة إصلاحات إدارية لضبط الأمن، وتأمين قوافل الحجيج القادمة من مختلف أنحاء الدولة الإسلامية، حيث تم تعزيز الحراسات على الطرق المؤدية إلى الحرم، واتخاذ تدابير تمنع وقوع أي اضطرابات خلال مواسم الحج. كان هذا النهج امتدادًا للسياسة الأموية التي اعتمدت على تقوية القبائل العربية الموالية للدولة، وإدارة مكة بما يضمن استقرارها السياسي والاجتماعي. استمرار استقرار مكة حتى نهاية عهد سليمان ظل طلحة بن داود واليًا على مكة حتى نهاية عهد الخليفة سليمان بن عبدالملك، حيث استمرت المدينة في لعب دورها المركزي كقبلة للمسلمين، وظلت محورًا دينيًا وسياسيًا مهمًا داخل الدولة الإسلامية. لم يشهد عهد سليمان أي اضطرابات كبيرة داخل مكة، ما يعكس نجاح السياسات التي اتبعها في إدارة المدينة المقدسة، وضبط أوضاعها بما يحقق التوازن بين سكانها وزوارها. مع وفاة سليمان بن عبدالملك، استمر الحكم الأموي في نهجه الإداري، حيث لم تشهد مكة تغييرات جذرية في إدارتها، ما ساعد على استقرار المدينة، واستمرار تنظيم أمورها الدينية والإدارية، مما جعلها أكثر استعدادًا لمواكبة التطورات التي شهدتها الدولة الإسلامية في العهود التالية. المصادر: * كتاب أمراء مكة عبر عصور الإسلام، مكتبة المعارف، عبدالفتاح رواه