قبل نحو ثلاثة قرون من يومنا هذا، كان مشهد جديد يتشكل ليصنع مجداً.. وكانت بذرة مباركة توضع في ثرى الدرعية، هنالك ولد وطن عملاق عام 1727 للميلاد. كان الإمام محمد بن سعود يؤسس لواقع مختلف، سيتغير معه التاريخ تغيراً لا رجعة عنه، ويواجه عواصف الأزمات بقلب غير هياب ولا وجل، مستنداً إلى إرادة قدّت من صخر طويق، وإرادةٍ ساميةٍ سموَّنخل الدرعية الباسق. رسم الإمام محمد بن سعود ملامح دولة فتية، تثب في طريق المجد وثباً، وتخطّ في وجدان شعبها ولاءً وحباً، وترسم في أرجاء البلاد استقراراً وأماناً. ويتقلّب الزمان بصروفه وعبره، وتتناوب الأحداث مداً وجزراً، عادت معه الدرعية خرائب وأطلالاً، لكن الدولة نهضت من الرماد، كعنقاء أسطورية، بروح جديدة، تمثلت في نهوض الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبد الله، الذي جعل من الرياض عاصمةً للبلاد، وبنى فيها قصر الحكم، مقر السياسة، والجامع الكبير، مقر العبادة، وأحاط الرياض بالسور، وعمرها وجعلها عروساً في قلب الصحراء، وأخذ يسطر مجداً جديداً على آثار مجد قديم. ومرّت العقود، وغربت شمس الدولة الثانية، قبل أن تشرق من جديد، ليسفر وجه الصبح عن طلعة المؤسس: الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، طيب الله ثراه، الذي وحّد أرجاء البلاد، بعد جهود مضنية، وحروب ضروس، ومكابدة للخطوب بدهاء لا يبارى، وحنكة لا تتكرر في التاريخ إلا نادراً. وتعاقب الملوك من بعد الملك المؤسس، ليضيف كل منهم لمسته، ويترك بصمته، ويسلم الراية لخلفٍ يثني عليه، وشعب يدعو له، ووطن ينمو ويتقدم. وفي هذا العهد الزاهر، لا تزال سفينة الوطن تمخر عباب التحديات الصعاب، والأهداف الضخام، برؤية يقودها خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، حفظهما الله، رؤية السعودية 2030 التي لا تعكس أحلامًا عابرة، بل تمثل تحولًا نوعيًا في جميع المجالات، تحول يشبه شعر المتنبي، يراه كل أحد حتى الأعمى، ويسمعه كل أحد، حتى من به صمم! جعلت هذه الرؤية الطموحة الإنسانَ في بؤرة تركيزها، وسخرت من أجله الطاقات، واستفرغت الجهود، واستوعبت الأفكار والآراء، وأنجزت المشروعات الكبرى. وجاءت صحة هذا الإنسان في صلب هذه الاهتمامات. وهنا يبرز دور مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، ليتجاوز مجرد تقديم الرعاية إلى الإتقان، وليتجاوز الإتقان إلى الإحسان، وليعضد الإحسان بالابتكار والتميز، حيث تسعى رؤية التخصصي لأن يكون الخيار الأمثل لكل مريض، مترجمًا رسالته السامية بخدمة المجتمع. تقديم أعلى مستويات الرعاية الصحية والخدمات في بيئة مثالية للتعليم والبحث، لينمو الأمل ويزدهر. نحتفي في ذكرى يوم التأسيس، بكل معنى جميل، بروح الوحدة والتلاحم، تحت ظل العلم، وبمعاني الإرادة والطموح، والبناء والإعمار، مع التحيات المرسلة إلى كل من يسهم، بأمنياته، وبقوله، وبساعده، في بناء هذا الوطن العظيم، مجددين العهد على مواصلة المسيرة نحو غد أكثر إشراقاً، ووطن أرحب أفقاً، وأسعد إنساناً، وأحسن مبنى ومعنى.. مهند عبدالله قاضي