شهدت الرياض نقلة نوعية بعد افتتاح مسارات القطارات التي غيّرت وجه التنقل داخل المدينة وجعلت منها نموذجًا حضاريًا يعكس تطور البنية التحتية للمملكة، القطار لم يعد مجرد وسيلة نقل عادية أصبح اليوم عاملًا اقتصاديًا وثقافيًا يجمع بين تعزيز النمو الاقتصادي ونشر قيم التواصل بين الثقافات، ما يجعل هذه الوسيلة الحديثة رافدًا حيويًا للتنمية الشاملة. افتتاح مسارات القطارات في الرياض جاء في وقتٍ أصبح فيه التنقل داخل المدينة من أبرز التحديات بسبب النمو السكاني المتزايد والتوسع العمراني الذي شهدته العاصمة، فالقطار هنا لم يكن فقط حلاً لهذه المعضلة، بل كان بداية لرؤية أوسع تتجاوز فكرة تخفيف الازدحام المروري إلى بناء منظومة اقتصادية متكاملة. إذ وفر القطار خيارات نقل أكثر كفاءة وفعالية، ما جعل التنقل أسرع وأكثر انسيابية. هذه المزايا، بدورها، انعكست على حياة الأفراد وساهمت في تحسين إنتاجيتهم من خلال توفير الوقت والجهد الذي كان يُهدر في الازدحام، من الناحية الاقتصادية، يمثل القطار أداة استراتيجية لتعزيز الاقتصاد المحلي، فهو لا يُساهم فقط في خلق فرص عمل جديدة مرتبطة بإدارة وتشغيل وصيانة مسارات القطارات، بل يُعزز أيضًا من حركة التجارة المحلية والمحطات التي تربط بين مناطق مختلفة أصبحت مراكز جذب تجاري، حيث نمت حولها الأنشطة التجارية والخدمية التي توفر خدمات للركاب والسكان على حدٍ سواء. هذه الديناميكية ساهمت في تنشيط الاقتصاد المحلي، خاصة في المناطق التي كانت تعاني من ضعف النشاط التجاري قبل دخول القطار إليها، علاوة على ذلك، ساعد القطار على تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يُسهم في تقليل استهلاك الوقود وتقليل الانبعاثات الكربونية. هذه الفوائد البيئية لها انعكاسات اقتصادية صحية واضحة، إذ تُقلل من تكاليف التلوث وتدعم مساعي المملكة لتحقيق التنمية المستدامة بما يتماشى مع رؤية 2030. لكن الأثر الأبرز للقطار يتجاوز الأرقام الاقتصادية ليصل إلى تعزيز التفاعل الاجتماعي والثقافي بين ركابه فبيئة القطار، التي تجمع أفرادًا من خلفيات وثقافات مختلفة في مساحة واحدة، تُوفر فرصة للتواصل المباشر وغير المباشر بينهم، هنا تظهر القيم المجتمعية في أبهى صورها، حيث تُصبح كل رحلة وسيلة لتبادل الأفكار والخبرات، ما يُعزز من التفاهم والتآلف بين سكان المدينة. هذا التفاعل اليومي يُحدث نقلة في طريقة التفكير ويُرسخ قيمًا جديدة مبنية على التسامح والاحترام المتبادل. كما أن القطار يُسهم في نشر ثقافة جديدة تتمحور حول مفهوم الركوب الجماعي. هذا المفهوم، الذي كان غائبًا عن المشهد الحضري في الرياض لسنوات طويلة، أصبح الآن جزءًا من الحياة اليومية للمدينة. الركوب الجماعي لا يُساهم فقط في تقليل التكاليف الفردية للتنقل، بل يُشجع أيضًا على تعزيز الانضباط واحترام الوقت، وهو ما ينعكس إيجابًا على ثقافة المجتمع ككل. إلى جانب ذلك، يُتيح القطار فرصة لاستكشاف المناطق المختلفة داخل المدينة بشكل أكثر سهولة ويسر. الرحلات التي تبدأ من أطراف المدينة وتنتهي في مركزها تُتيح للركاب التعرف على معالم جديدة واكتشاف جوانب ربما لم تكن في الحسبان من قبل. هذا النوع من السفر الداخلي يُعزز الانتماء للمدينة، ويُسهم في ربط سكان الرياض بماضيها وحاضرها. النقلة التي أحدثها القطار في الرياض ليست مجرد تحسين للبنية التحتية أو توفير وسيلة نقل جديدة. بل هي خطوة شاملة نحو بناء مجتمع أكثر ترابطًا، واقتصاد أكثر كفاءة، ومدينة أكثر استدامة. القطار في الرياض ليس فقط وسيلة تقرب المسافات الجغرافية، بل أيضًا وسيلة تقرب المسافات الثقافية والاجتماعية، وتنشر قيمًا جديدة تُثري الحياة اليومية للسكان. مع استمرار تطور شبكة القطارات في الرياض، يُتوقع أن تتعاظم فوائدها الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعلها عنصرًا أساسيًا في مستقبل المدينة. القطار أصبح رمزًا للتحول الحضاري والاقتصادي في الرياض، وشاهدًا على قدرة المملكة على تحقيق تطور شامل يضع الإنسان والبيئة في قلب أولوياتها. *رئيس اللجنة الوطنية الخاصة للمجمعات الطبية رئيس مجلس الأعمال السعودي التونسي