عندما كنت مقيماً في إحدى الدول المتقدمة في جوانب عديدة ومنها إدارة العقارات، لاحظت أن عملية استئجار منزل تتطلب الذهاب إلى مصلحة مختصة بالماء والكهرباء، مصطحبا عقد الإيجار لفتح هذه الخدمات باسمي كمستأجر.. أعجبتني هذه الفكرة وتمنيت تطبيقها في بلدي. واليوم، نشاهد انطلاق مشروع محلي مشابه، بل وربما أفضل، يهدف إلى توثيق عدادات الماء والكهرباء باسم المستفيد. تعتبر خطوة توثيق العدادات أساسية، حيث تسهم في تجنب الفواتير المتراكمة التي قد يتحملها الملاك أو المستأجرون الجدد، كذلك فإن هذا الإجراء يرسخ مبدأ الشفافية ويعمق حقوق جميع الأطراف المعنية، من خلال ضمان ارتباط الخدمات بالمستفيد الفعلي، سواء كان مالكا أو مستأجرا. هذ البرنامج، يعزز إدارة الخدمات المرتبطة بالحساب، ويرتقي بجودة الخدمة، حيث يمكن المستفيد من طلب الخدمات ومتابعة حالتها عبر القنوات الرقمية، بالإضافة إلى استقبال الفواتير والرسائل النصية المتعلقة بالاستهلاك. كما يسهم في تقليل النزاعات بين الملاك والمستأجرين، حيث يضمن حقوق الطرفين في حالات انتهاء عقود الإيجار أو انتقال الملكية. لضمان تنفيذ المشروع بكفاءة، يتطلب الأمر تسهيلات وإجراءات مرنة لمصلحة المستفيدين. نحن على يقين بأن تسهيل عملية التوثيق من الجهات المعنية يعد من أساسيات المرحلة الحالية في الشأن التقني السعودي، الذي أصبح مضرب المثل بين الدول المتقدمة.. فلم تعد هناك حاجة لتكبّد عناء الوصول إلى فروع القطاع العام أو الخاص، بل يمكن إتمام المعاملات من خلال التطبيقات أو المواقع الإلكترونية، مما يوفر الوقت والجهد، ويسهم في تحقيق السلامة الشخصية والمرورية، ويعجل بتلبية احتياجات المستفيدين كجزء من أتمتة الأنظمة، كجزء من استراتيجية المملكة لتحقيق رؤية 2030 الأمر الذي جعل المملكة -حسبما أوردت واس- من أفضل الدول تقدما على مستوى العالم في المؤشر الفرعي الأول للخدمات الإلكترونية. يتيح توثيق عداد المياه أيضا التواصل المباشر مع الشركة، وتقديم طلبات الخدمات، واستقبال إشعارات تنبيهية في حال ارتفاع الاستهلاك، مما يساعد في معالجة التسربات والانكسارات بشكل سريع، ويعتبر توثيق عداد المياه خطوة أساسية في إدارة استهلاك المياه بشكل فعال، مما يمكّن الأسر من معرفة استخدامهم وتفادي تراكم الفواتير. من الطبيعي أن تواجه المشاريع الناشئة تحديات، ومشروع توثيق عدادات الماء والكهرباء باسم المستفيد ليس استثناءً. تشمل هذه التحديات نقص الوعي لدى بعض المستفيدين، وقد يتقاعس بعض المستأجرين عن توثيق العدادات. لمواجهة ذلك، يمكن زيادة الوعي بفوائد التوثيق من خلال حملات توعوية وتسهيل الإجراءات عبر التطبيقات الإلكترونية. كما يفضل تقديم حوافز للمستأجرين وتعزيز التواصل المباشر مع تذكيرات بأهمية التوثيق، بالإضافة إلى التعاون مع الملاك لدعم المستأجرين وتحديد مواعيد نهائية للتوثيق مع توضيح العواقب المحتملة لعدم الالتزام. تتطلب هذه المبادرة أيضا بنية تحتية تقنية موثوقة، وتنسيقا فعالا بين الجهات المعنية، مع ضرورة التحقق الدقيق من هوية المستفيدين وحماية بياناتهم الشخصية، ويجدُر كذلك توفير آليات واضحة لحل النزاعات بين الملاك والمستأجرين، واستجابة سريعة لأي مشكلات قد تنشأ. لقياس نجاح مشروع توثيق العدادات، يمكن استخدام عدة معايير، مثل نسبة المستأجرين الذين قاموا بالتوثيق، وتحسين صرف المياه والفواتير، وتقليل الشكاوى، ورضا المستفيدين من خلال استبيانات كما يمكن تقييم الامتثال ووقت الاستجابة لعملية التوثيق، وتحليل البيانات لتحديد الأنماط، بالإضافة إلى قياس تعاون الجهات المعنية في تسهيل العملية. هذه المعايير ستساعد في تقييم فعالية المشروع وتحقيق أهدافه بشكل أفضل، ونحن واثقون أن الجهة المسؤولة عن هذا البرنامج قد قامت بدراسة هذه التحديات والمعايير بعناية وأدرجتها ضمن أولوياتها. * بصيرة.. شخصيا، أجد نفسي سعيداً بهذا المشروع من عدة جوانب، أولها حفظ حقوق الأطراف وتقليل مستوى النزاعات، والأهم من ذلك هو إمكانية ترشيد استهلاك هذه الثروات الوطنية، خاصة أننا بلد يعاني من شحّ المياه. لذا، أحث نفسي وجميع المستفيدين على استغلال خطة التوثيق لضمان حقوقهم وتحسين جودة الخدمة، وإسداء الشكر إلى القائمين على هذا البرنامج لجهودهم في تعزيز الوعي وتسهيل عملية التوثيق، مما يسهم في حماية هذا المورد الثمين.