من البدهي والمعروف أن الإرهاب -بكافة أشكاله وصُوره- ألدّ أعداء الإنسانية؛ فهو المُقوّض لأمن الدول والشعوب، ومن خلاله تتمزّق المجتمعات، وتغدو الأوطان ساحاتِ عُنف واقتتال، ومن هنا أجمع العالم بأسره على أنه خطر محدق ومهدّد للسلام والأمان المجتمعي، وعدوّ سافِر للتنمية، ولكل حياة كريمة. وإزاء هذا الخطر، واستشعاراً لضرورة دحره؛ فقد اتّفقت الدول قاطبة على أنّ هذا الإرهاب لم يعُد مجرد ظاهرة عابرة أو حدثاً عارضاً، وإنما معضلة حقيقية مؤرّقة أنبتتها وَرَعَتْهَا أيديولوجيات متطرفة وحسابات سياسية خاطئة. ولأن ظاهرة الإرهاب، والفكر المتطرف، ليسا بجديدين على العالم؛ فقد تنادى الفلاسفة والمفكّرون بمطالبة إشاعة التسامح، والالتفات الواعي لأهمية التعاون، ونبذ الأفكار المتطرفة والمتغوّلة في أدمغة العقول الجاهلة، التي تسبّبت في بثّ خطاب الكراهية والعنصرية، وليس بخافٍ عنّا التاريخ الدموي الذي خلّفه التعصّب والإرهاب في الغرب، فالتاريخ واستدعاء ذاكرته تعيدنا لتلك الحروب الدينية في الغرب خلال القرن السادس عشر، تلك الحروب التي أحدثت هزيمة للعقل والفكر ولكل مناحي الحياة، حينها أدرك المفكرون الغربيون ضرورة التسامح كوسيلة لإنقاذ البشرية من الانقسامات الطائفية والعرقية، ولكن تعلّموا من تلك الدروس. الواقع لا يقبل المداهنة ولا المِراء، ولا يتّسق عقلياً ولا منطقياً أنّ ثمة دروس مستفادة؛ فأن تحتوي ذوي الفكر المنحرف، وتؤوي شذاذ الآفاق الذين ينشقّون -بغباء وعدم اتّزان- عن دولهم، ثم يقابَلون وكأنهم أسوياء، وتقدّم لهم التسهيلات، والدعم المشبوه المتوحّل في حمأة الرذيلة وانعدام القيم والأخلاق؛ فهذا هو الخَطَل وسوء التقدير والتصرّف، والأيديولوجيا المتطرفة التي تقود الفكر الغربي. وقد كان حريّاً بكل دول العالم أن تقوم بتوظيف التسامح في مجابهة الإرهاب، وكذلك دحر كل شاذ فكريّاً، ممّن باعوا أنفسهم رخيصة مقابل وعود وهمية أو مال ونحوه، ليمارسوا بث الكراهية، واستعداء الدول على بعضها، تحت مزاعم واهنة، تتشدّق بالحريّة، وتتذرّع بأعذار واهية واهنة، أعذار فنّدها الواقع، وأثبتت خطلها، وجهلها الأيام. ولذا فلا غَرْو أن نسمع ونرى حوادث إرهابية فردية من تلك الفئة الإرهابية الباغية، حوادث يكتوي بنارها مَنْ آواهم وشجّعهم، وغرّر بهم، مستغلّين سذاجتهم ورخصهم ودُنوّ كرامتهم، مقابل حفنة من المال لا تغني عن دفء وطن، ولا تعوّض عن استقرار أسري، ولا توفّر حياة آمنة رغيدة في فضاء إنساني خليق بإنسانيتنا. ومما يفاقم الاستغراب، ويجلي التناقض لبعض الدول أنها تسخّر إعلامها لترويج روايات وأكاذيب منحازة تسهم في تأجيج الصراعات، وتضلّل أصحاب العقول الخاوية، بدلاً مِن أن يكون إعلاماً مهنياً مسؤولاً يتبنى خطاباً متوازناً يهدف إلى بناء جسور التفاهم بدلاً من تعميق الهوّة. لقد آن الأوان لاستفاقة العالم بأسره، لا الغرب وحده، والوعي العميق بأن الإرهاب، وبذور التطرّف، لا تعرف وطناً، أو شعباً، وإنما يُغذّيها الانحياز وازدواجية المعايير في طريقة تعاملهم مع الإرهاب والإرهابيين، على الغرب -وغير الغرب- أن يعي بأن احتضان أي فكر متطرّف، وإيواء المنشقّين الذي لم يكن لهم خير في أوطانهم، سيكون شرّاً كبيراً، ووبالاً عليهم، فكما يقال في الأمثال العربية: (إنك لا تجني من الشوك العنب). ولعله حان الوقت للتعامل مع الواقع والحقيقة، وأنه من الحُمق عندما يُرتكب عمل إرهابي في أي دولة غربية أن تتّجه أصابع الاتهام سريعاً إلى دولنا العربية والإسلامية كحاضن أو مُصدِّر للإرهاب، حيث باتت أسطوانة مشروخة وباعثة للاحتقار والضجر؛ ولا بد من الإيقان بأن مواجهة الإرهاب تبدأ من الاعتراف بحقيقته كظاهرة متعددة الأبعاد، تتطلب استجابة شاملة تتجاوز الفكر الضيق، وكذلك الاتهامات لمن هم أبعدُ عن هذا الفكر، والمهمومون بالتنمية وخير شعوبهم، والمهجوسون بريادة المستقل.