السلام على أهل وأولاد وبنات المرحوم أخينا عبدالله العلي النعيم ورحمة الله وبركاته، وأحسن الله عزاءكم وجبر الله مصابكم وجعل فقيد الجميع من الأبرار، وما عند الله خير للأبرار، وذهب لأرحم الراحمين، وغرس غرسًا من الفعل الجميل لا يذهب أبدًا. وذات يوم راجعته في مكتبه بالأمانة، فلقيت ما سرني كغيري من المراجعين، وقلت له: يا أبا علي، كأنك حافظ هذين البيتين الشهيرين في تعاملك الجميل مع الناس، قال: وما البيتان؟ قلت: إن المناصب لا تدوم لأهلها إن كنت تنكر ذا فأين الأول فاغرس من الفعل الجميل غرائسًا فإذا ذهبت فإنها لا تذهب وأشهد أنك تغرس غرسًا جميلًا، فرد قائلًا: الله يعيننا على أنفسنا. قلت: طلبة الإمام عبدالرحمن السعدي -رحمه الله- ما يبورون وأنت منهم. ونتمنى من المسؤولين الكرام بالتعليم أن يقرروا على طلاب الجامعات مادة قراءة حرة في مذكرات الناجحين في الإدارة في بلدنا الكريم، أمثال المرحوم أبي علي الذي صلينا عليه يوم الاثنين 1446/6/15ه. وما أدراك ما أبو علي! الذي لم ينقطع عن العمل والخدمة العامة طوال عمره المديد الذي قارب 95 عاماً، 40 عاماً بالحكومة رسميًا و35 عاماً تطوعًا بالخدمة العامة والعطاء، ولم يغلق باب مكتبه الحكومي عن العامة، ولا باب مكتبه التطوعي بمركز الملك سلمان لكبار السن، ولا باب مكتبه بمكتبة الملك فهد، ولا باب مجلسه الأسبوعي بمنزله بالريان. ولقد رأيته بحدود عام 1405ه، واقفًا رافعًا رأسه وممسك بيده اليسرى عقاله لا يطيح، بعد صلاة العشاء، ينظر للدور الثالث بمبنى على "الهيكل" فيه مخالفة بالملز، فقلت: "السلام عليكم يا أبو علي"، فرد السلام، وقلت: "جاي بنفسك وبالليل لكي تتأكد أن التقرير الذي وصلك صحيح"، يا الله ما هذا الشعور بالمسؤولية! رحمك الله. وقبل البلديات، كنتَ بالتعليم ونجحت، وبعدها تعثرت إدارة شركة الغاز وتأخر الغاز عن الناس 1392ه وألزموك بالإدارة، وفور استلامك إدارة الشركة، طلبت سيارات "الكناور" من الجيش، وركبت مع السائق بالكنور بين الدماموالرياضوجدة، وأوصلت شحنات الغاز، وطلبت الفطور والغداء للعمال، وجلست تأكل معهم وتلاطفهم، وسألت عن أحوالهم، وصرفت المتأخر من رواتبهم، وأكرمتهم، فعملوا بجد وهم سعداء، أسعدك الله حين تلقاه، وأنهيت وإياهم مشكلة الغاز خلال أسبوع واحد. وطلاب الجامعات إذا قرؤوا مذكرات أبا علي النعيم، وأبا يارا غازي القصيبي، وأمثالهم من الفضلاء، ستفيدهم قطعًا لأن هؤلاء الشباب هم من سيتولى المسؤولية ويستفيدوا من هؤلاء وأمثالهم الحزم وسرعة البت بالأمور المهمة. مثلًا، القصيبي حين كان وزيرًا للصحة، طلبوا توقيعه على عقد إنشاء مبنى مستشفى شرقي الرياض 200 سرير، ومدة العقد 3 سنوات، وقال: "ما فيه مبنى جاهزة؟" قالوا: "فندق الماريوت جديد لم يؤثث"، وأوصى فورًا أن يشترى بسعر السوق، وجهزه وشغله بأقل من شهر واحد، وربما بأقل من نصف التكلفة، وهذا التوفيق من الله والتسهيل دليل على حسن النية ودعم ولاة الأمور -حفظهم الله-. نرجع لأبي علي، قابله صهرنا صالح العبدالرحمن المهنا أبا الخيل -رحمه الله- مع زملائه التجار، وقالوا: "دكاكيننا بالصناعية مشترينهن الدكان الواحد بمليون، كيف يكون تثمينكم بأقل من رأسمالنا، وعمر رضي الله عنه يضاعف القيمة؟" ورديت عليهم باحترام وأدب، وقدمت لهم القهوة، وأقسمت أنك لا ترضى ببخسهم حقهم، ومندوب وزارة المالية اجتهد وأخطأ، وربما له عذر لا نعلمه، ولو أقدر على إعادة التثمين لأعدته، ومن حقكم المطالبة. ويقول أبو عبدالله -رحمه الله-: "دخلنا مكتبه زعلانين وخرجنا من عنده راضين"، ومثله العميد عبدالرحمن علي السعيد أثنى عليك يا أبا علي، وقال أحدهم مازحًا: "يا طيبك يالسعيد، ما وافق على طلبك وتمدحه!" قال: "يكفين استقباله الطيب وقسمه لي أن بوده أن يتم موضوعي، وقوله لي: ليس من صلاحيتي، ولو الذي ورد لي من الجهات العليا طلب رأيي لوافقت فورًا وتستاهل". نعتذر من القراء على الإطالة، ولكن لنكون سبباً بدعوة صالحة لغازي والنعيم وأمثالهما، وليقتدي بهما غيرهم، ولأن الذكر الطيب عاجل بشرى المؤمن، ولندخل السرور على أهلهما، وإدخال السرور على المسلم لنا فيه أجر. وحسبنا وحسبهم الله، ولا نزكي على الله أحداً، والله المستعان. *صاحب كتاب "نوادر" صالح الزمام*