تمثل الكاتبة السعودية أنيسة عيد العميري نموذجاً مميزاً في الأدب السعودي المعاصر. بخلفية ثقافية غنية وتجربة حياتية متعددة الأبعاد، استطاعت أن تصنع لنفسها هوية أدبية خاصة، تجمع بين سلاسة الأسلوب وعمق الفكرة. من خلال أعمالها الروائية والنثرية، تعكس العميري قضايا المجتمع السعودي وخصوصاً قضايا المرأة، متناولةً التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها بأسلوب أدبي بسيط وعميق في آن واحد. كانت طفولة العميري في مدينة الجبيل، حيث تربت على سماع الحكايات الشعبية التي كانت جدتها ترويها لها ولإخوتها، حجر الأساس لاهتمامها بالسرد القصصي. تقول العميري: "كانت حكايات جدتي بمثابة نافذة سحرية أطل من خلالها على عوالم الخيال. تلك القصص لم تكن مجرد حكايات للمتعة، بل كانت تحمل في طياتها توجيهات خفية وقيم تربوية." وتضيف: "لقد كانت تلك الأمسيات التي جمعتني بجدتي وأفراد عائلتي، بداية ارتباطي بعالم القصص والكتابة. كانت الحكايات البسيطة التي تحكيها تطلق خيالي وتجعلني أكتب قصصاً قصيرة رغم بساطتها وركاكتها آنذاك." إلى جانب ذلك، كان والدها المثقف وعاشق الشعر، مصدر إلهام إضافياً لها، حيث غرس فيها حب القراءة والاطلاع، ما أثر بشكل كبير على تكوينها الفكري والأدبي. الكتابة تعبير عن الواقع رغم انشغالها لفترة طويلة بالتعليم والعمل الإداري، لم تتوقف العميري عن التفكير في الكتابة. ترى أن الكتابة ليست مجرد نشاط إبداعي بل وسيلة للتعبير عن الذات وعن قضايا المجتمع. تقول: "كل تجربة شخصية أو موقف اجتماعي يحمل في طياته مادة للكتابة. الكتابة بالنسبة لي هي انعكاس لما نعيشه وما يؤثر فينا." في روايتها الأولى "خبايا رجل"، تسلط العميري الضوء على صراعات الإنسان بين العقل والعاطفة، الخير والشر. تدور الرواية حول طبيب شاب وفتاة تقع في حبه، لكنها تواجه تناقضات تصرفاته وأفكاره، ما يدفعها للتساؤل عما إذا كان يستحق أن يكون شريك حياتها. تتحدث العميري عن الرواية قائلة: "كانت الفكرة مستوحاة من أحداث واقعية عاصرتها، وإن أضفت إليها بعض التعديلات الخيالية. الرواية تعكس الصراع الذي يعيشه الإنسان بين مشاعره الداخلية ومتطلبات الواقع." أما روايتها الثانية "بزوغ فجر"، فتعكس التطورات التي شهدتها المرأة السعودية بعد الإصلاحات الكبرى التي بدأت عام 2019. تحكي الرواية عن "فجر"، الفتاة التي تواجه طمع والدها وتضطر لاتخاذ قرارات مؤلمة، مثل الهروب من أسرتها. تشير العميري إلى أن الرواية تحمل رسالة واضحة: الهروب ليس حلاً للمشكلات، بل المواجهة والسعي لحلول واقعية هو الطريق الأمثل. بين المقال والقصة لم تقتصر أعمال العميري على الرواية فقط، بل قدمت نصوصاً نثرية مميزة مثل "غرف من مداد الروح". تصف العميري هذه النصوص بأنها خليط بين المقالة والقصة، حيث تجمع بين الصور البلاغية والتأملات العميقة. "كل نص في هذا العمل يعكس موقفاً ذاتياً أو إنسانياً أثّر فيَّ بطريقة ما. لم ألتزم بترتيب زمني أو أسلوبي محدد، بل اعتمدت على التدفق الطبيعي للفكرة والموقف." تميزت هذه النصوص بمرافقة لوحات فنية رسمتها الفنانة التشكيلية رزان خالد سعد، مما أضاف بعداً جمالياً وفنياً للأعمال الأدبية. تقول العميري: "دمج الفن التشكيلي بالنصوص النثرية كان محاولة لتقديم تجربة جديدة تعكس تداخل الفنون وتأثيرها المتبادل." التواصل الاجتماعي والإبداع من خلال عملها في التعليم والإدارة، إضافة إلى نشاطها على منصات التواصل الاجتماعي مثل "سناب شات"، تمكنت العميري من التواصل مع فئات متنوعة من المجتمع. هذا التواصل أتاح لها الاطلاع على تجارب وثقافات مختلفة أثرت في كتاباتها. توضح: "الاحتكاك بالناس وتبادل الأفكار يعزز قدرة الكاتب على فهم الواقع وتقديم رؤى أعمق وأكثر شمولية." ترى العميري أن التجارب الحياتية المتنوعة، سواء كانت عبر التفاعل المباشر أو من خلال القراءة والاطلاع، تسهم في توسيع آفاق الكاتب وتطوير أسلوبه. تقول: "الكاتب هو نتاج بيئته وتجربته الشخصية، وكلما زاد تفاعله مع مجتمعه، أصبح أكثر قدرة على التعبير عن قضاياه." تمكين المرأة السعودية تشير العميري بفخر إلى التحولات الكبيرة التي شهدتها حقوق المرأة في السعودية خلال السنوات الأخيرة. ترى أن هذه التحولات لم تفتح فقط آفاقاً جديدة للمرأة في مختلف المجالات، بل انعكست أيضاً على الأدب النسائي. تقول: "المرأة السعودية اليوم قادرة على تناول قضاياها بشكل أعمق وأكثر جرأة، مستفيدة من المساحات الواسعة التي أتاحتها الإصلاحات الاجتماعية." في روايتها "بزوغ فجر"، عالجت العميري قضايا المرأة بأسلوب يجمع بين التحديات الفردية والواقع الاجتماعي. تؤكد أن الرواية ليست مجرد سرد قصصي، بل هي وسيلة للتعبير عن الواقع وتحليل القضايا الإنسانية بعمق وصدق. التحديات النقدية والإبداعية رغم التقدم الذي حققته المرأة في مجالات الأدب والإبداع، ترى العميري أن هناك تحديات لا تزال قائمة. تشير إلى أن النقد الأدبي في بعض الأحيان يتجاهل الأعمال النسائية، بحجة أن المرأة تكتب عن موضوعات ذاتية أو محدودة. تقول: "هناك اعتقاد خاطئ بأن الأدب النسائي يقتصر على قضايا الحب والأسرة، لكنه في الحقيقة يتناول قضايا إنسانية واجتماعية أوسع." ومع ذلك، ترى العميري أن الكاتبات السعوديات والخليجيات استطعن تجاوز هذه العقبات من خلال تقديم أعمال إبداعية قوية تنافس على الساحة العربية والدولية. "حرية التعبير والإبداع أصبحت أوسع بكثير من الماضي، والكاتبات اليوم أكثر قدرة على تجاوز الحدود التقليدية التي كانت تفرضها العادات والتقاليد." الإنتاج الأدبي السعودي تلفت العميري إلى الطفرة التي شهدها الأدب السعودي خلال العقدين الأخيرين، حيث برزت أسماء لامعة مثل غازي القصيبي، عبده خال، ورجاء عالم. ترى أن هذا الزخم الإبداعي يعكس صحة المشهد الأدبي في المملكة. ومع ذلك، تعترف بوجود إنتاجات ضعيفة لا ترتقي لمستوى الطموحات. تقول: "في النهاية، تبقى الأعمال الجيدة هي التي تخلد، بينما يختفي الزائف مع الزمن." الأدب كنافذة على التغيير تؤمن العميري بأن الأدب ليس مجرد وسيلة للتسلية أو السرد، بل هو نافذة للتغيير الاجتماعي والثقافي. ترى أن الكاتب، من خلال أعماله، قادر على التأثير في مجتمعه وتحفيزه على التفكير بطرق مختلفة. تختم قائلة: "الأدب هو انعكاس للحياة، وكلما كان الكاتب صادقاً مع تجربته، استطاع أن يصل إلى القارئ ويترك أثراً دائماً." بإبداعاتها المتنوعة وتجربتها الغنية، تواصل أنيسة عيد العميري إسهاماتها في إثراء المشهد الأدبي السعودي، مؤكدة أن الكتابة ليست مجرد حرفة، بل مسؤولية ورسالة تسهم في تشكيل الوعي الاجتماعي والثقافي.